"كنت أعمل ممرضة بمستشفى غزة بمخيم صبرا خلال مذبحة عام 1982، حين وقعت أبشع جريمة في مخيمي صبرا وشاتيلا، ذُبح فيها ألف شخص بدم بارد، وكان القتلى من المدنيين العزل... ليس هناك من شك في أنه كان عملاً وحشياً.
"كان تقريباً كل إسرائيلي، ملم بالسياسة، على بينة من التاريخ العميق والمتجذر من الكراهية بين الفلسطينيين والكتائب المسيحية اللبنانية. فلذا أرسلت إسرائيل الكتائب إلى المخيمات بهدف تخلُّص المعسكر من بقية مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية".
- الممرضة الأميركية إللين سيجل، أثناء مقابلة أجريت معها عام 2002 بمناسبة الذكرى الـ20 لمذبحة صبرا وشاتيلا.
واصل الفلسطينيون في قطاع غزة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتفجيرات التي بدأت في 8 يوليو الماضي، لأنه في هذه الحالة لا فائدة من وقف إطلاق النار والعودة إلى "الوضع السابق"، وتدان غزة مرة أخرى بأنها أصبحت "معسكر اعتقال مفتوحا".
هناك صيغة واحدة فقط لـ"وقف إطلاق النار": فتح قطاع غزة، ليس فقط للمساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً للتجارة، ومواد البناء، والتكنولوجيا. وكذلك، السماح لسكان القطاع بالسفر عبر نقاط التفتيش ليتمكنوا من العمل والتسوق وزيارة الأقارب، وبالتالي تتوفر لهم سبل الحياة.
وصف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز القتل والمذابح التي سببتها إسرائيل في حربها التي استمرت 50 يوماً على قطاع غزة بأنها "جريمة حرب". ووصفت ماري روبنسون، رئيسة أيرلندا السابقة ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، هذه المجزرة بنفس الوصف. كما وصفها بذلك أيضاً الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. ولذا يجب أن تُحاكم إسرائيل على هذه الجرائم وما سبقها من جرائم تعود إلى أكثر من 50 عاماً. بل والأسوأ من ذلك، ما كانت تفعله إسرائيل في السر وأصبح الآن في العلن: قتل الأطفال الفلسطينيين الذين يلعبون في الشاطئ، وتحطيم العديد من المباني الشاهقة، وقصف مدرسة تابعة للأمم المتحدة، أشار إليها القادة الإسرائيليون - 17 مرة - بأنها مركز للاجئين.
أما بالنسبة لصبرا وشاتيلا، فإنه في 16 سبتمبر 2014، ستكون الذكرى الـ32 لمذبحة الفلسطينيين بمخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982. ووفقاً لتحقيق لجنة التستر الإسرائيلي المعروفة باسم لجنة "كاهان"، فإنه بين حوالي الساعة السادسة صباح 16 سبتمبر والثامنة من صباح يوم 18 سبتمبر 1982، لقي ما بين 1000 و3500 فلسطيني – معظمهم من المدنيين- مصرعهم. وكان العذر: مطاردة مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف)، أي من مقاتلي المنظمة.
وخلال الشهر الماضي، قُتل أكثر من ألفي فلسطيني – معظمهم من المدنيين- على يد القوات الإسرائيلية بقصف من الجو والأرض. والعذر، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا، مطاردة "المتشددين". وهذه المرة من حركة حماس وفي أثناء القصف الإسرائيلي تحطمت أطول وأعلى وأحدث المباني السكنية وبنايات المكاتب، بما في ذلك برج ظافر في 23 أغسطس الجاري، حيث ادعت إسرائيل أنه مقر لجيش حماس. وهذه المرة ليست عملية سرية، بل أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقتلة من حزب الحرب أن يشاهدها العالم.
وفي يوم 15 يونيو، أي قبل الهجوم الإسرائيلي على غزة، أجريتُ مقابلة مع الممرضة الأميركية، إللين سيجل، باعتبارها شاهد عيان على مجزرة صبرا وشاتيلا. كانت سيجل في واشنطن لتتسلم جائزة باسم "راشيل كوري"، ناشطة السلام الأميركية الشابة التي دهست حتى الموت بجرافة قوات الدفاع الإسرائيلية عام 2003، عندما كانت تحاول منع هدم منزل في غزة.
عند استلام سيجل الجائزة من المؤتمر السنوي للجنة العربية المناهضة للتمييز (ADC)، أوضحت "عندما قُتلت راشيل كوري عام 2003 كان عمرها 23 عاماً"، وقالت إنها كانت خاشعة عند استلام الجائزة – بينما كان الحضور يستمع بكل تواضع إلى حديثها عن راشيل كوري، ملاك الرحمة، المرأة الشابة التي قُتلت بأيدي الجنود الإسرائيليين. وأضافت سيجل "اليوم، راشيل يكون عمرها 34 عاماً، لقد قُتلت في وقت مُبكر للغاية، ولكن ذكراها ستكون عالقة في الأذهان إلى الأبد، وستظل مصدراً للإلهام. إن من يدخل أي مخيم للاجئين في لبنان، سيجد ملصقاً يحمل صورة "راشيل كوري".
لقد أعطت سيجل تقريراً استثنائياً عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يحلو لبعض الناس أن يسموهم "اللاجئين المنسيين". وقالت إنها ستعود إلى لبنان في الفترة ما بين 14-21 سبتمبر المقبل لحضور إحياء الذكرى السنوية الـ32 لمذبحة صبرا وشاتيلا، وزيارة الأصدقاء الناجين والأسر التي تساعدهم من خلال مؤسسة "انيرا"، وهي منظمة عمرها 45 عاماً تقدم المساعدات في المخيمات الفلسطينية.
وتنبِّه سيجل "دعونا نتذكر أن المأوى والرعاية الصحية والتغذية الكافية هي حقوق الإنسان الأساسية.. ففي صبرا وشاتيلا اليوم أكثر من 9 آلاف لاجئ يعيشون في مساحة تقدر بواحد كيلومتر مربع. وتعيش كثير من الأسر في أماكن مكتظة، وأحياناً في غرفة واحدة، لا يسمح لهم من الناحية القانونية بناء منشآت أو توسيع السكن الحالي في المخيمات. وتشرح سيجل كيف قامت منظمة الأمم المتحدة للاجئين (الأونروا) بتسجيل 450 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان بغرض الحصول على إعانات مالية.
وتواصل سيجل وصفها عن أحوال اللاجئين، فتقول "الكهرباء تصلهم بصورة متقطعة ولا توجد لديهم مياه عذبة، ويعيش أكثرهم بدون تهوية أو تدفئة مناسبة، فهناك أُسر تعيش تحت سقف واحد من الصفيح الذي عادة ما يكون حاراً جداً في الصيف وبارداً في الشتاء. وفي أحد المخيمات تعيش الأسر في حاويات معدنية كان من المفترض أن تكون ملاجئ مؤقتة منذ سبع سنوات. والأسوأ من ذلك لم يكن هناك نظام صرف صحي سليم، كما تنبعث الروائح الكريهة جراء تدفق القمامة في الشوارع المتربة.
السؤال، ما هي الجريمة التي ارتكبها هؤلاء اللاجئون لإدانتهم بحياة البؤس؟ الواقع أنه ليست لديهم جريمة سوى أنهم ولدوا في فلسطين وعاشوا فيها منذ 1948.
تقول سيجل إنه يجب أن يكون هناك حد لهذه المهزلة. وتضيف "الفلسطينيون شعب أكثر مرونة من الشعوب التي قابلتها في حياتي. سوف تظل رؤوسهم مرفوعة عالية، يقاومون ويناضلون من أجل العدالة. وعلى إسرائيل أن تعترف بعواقب "النكبة"، وأن تعتذر عن الآلام والمعاناة التي سببتها للفلسطينيين، كما يجب أن تعترف بحقهم في العودة".