كامليا انتخابي فرد.. تعرفت عليها منذ سنوات من خلال صفحات جريدة الوطن السعودية، ثم تابعتها محللة للشأن الإيراني على شاشة قناة العربية. من خلال متابعتي لها عرفت أنها معارضة لنظام الملالي في إيران، على حد وصفها. صحافية وشاعرة ورسامة إيرانية، كما عرفت بنفسها على ظهر غلاف كتابها "كامليا - سيرة إيرانية".
كانت كامليا في السادسة من عمرها عندما أسقط مناصرو الخميني شاه إيران عام 1979.
عندما كانت تكتب للجريدة الإصلاحية (زن)، سجنت بتهمة تهديد الأمن القومي وتحدي النظام الإسلامي، وبعد شهور من السجن الانفرادي والتعذيب والاستجوابات اليومية، اعترفت بجرائم لم ترتكبها حتى إنها اعترفت بأنها أصبحت تعشق مستجوبها الهمجي لتنجو بنفسها!
بعد خروجها من السجن عادت تكافح مجدداً لنيل حريتها.
هذه المذكرات تبرز شجاعة وذكاء الكاتبة وتحكي الثمن الغالي الذي دفعته هي وعائلتها.
تحدثت عن حادثة اقتحام السفارة الأميركية وموقف الخميني المؤيد، وتهديد واغتيالات الصحافيين، وسجن إيفين السياسي، وتكلمت بألم عن الحرب العراقية الإيرانية التي مزقتهم وشردتهم واغتالت أحلام الإيرانيين في حدوث انقلاب على الثورة الإسلامية، تحدثت أيضاً عن مدينة قم، التي أطلقت عليها مدينة الثورة والدم، المدينة الذين يذهبون لها للحج والمتعة على حد تعبيرها.
عبرت كامليا عن خيبة أملها عندما رفضت عرضاً للعمل في إذاعة الحرية في براج مقابل مواصلة نجاحاتها في صحيفة (زن)، لكنهم أقفلوا الصحيفة.. "كنت قد تحطمت، لقد كانت صحيفة زن هي أملي الأخير"!.
كامليا خانم حققت نجاحاتها كصحافية إبان حكم الإصلاحي خاتمي - الذي روجت وبشدة لحملته الانتخابية - لكن الغريب أنها لم تصوت في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرشحها الذي لجأ إلى شعار "إيران للإيرانيين" لحشد الناس حوله، وفاز فوزاً ساحقاً.
"لن يقوم أي فرد من أفراد عائلتي بمن فيهم أنا، بالتصويت، فالتصويت كان يعني دعم النظام وبنية الجمهورية الإسلامية، وأخذت أتعذب وأنا أتساءل إن كان ينبغي أن أصوت إلى أن فات الأوان". تصف جرأتها كصحافية عندما عملت في صحيفة (زن) التي تملكها وترأس تحريرها فائزة هاشمي رفسنجاني.
تقول: قربي من فائزة - التي أصبحت صديقتي فيما بعد - ساعدني بأن أحقق الكثير من أحلامي كصحافية، أن أرى صورتي تتصدر مقالاتي، وأن أفتح قضايا المجتمع الإيراني التي كانت من المحظورات، لكنها - وتقصد فائزة - قالت لي ذات مرة اهتمي بنفسك، إنهم لن يتركوك!
و"عندما عدت من باكستان بعد تغطية صحفية لمقتل الإيرانيين الذين احتجزوا من قبل طالبان ومن ثم تم إعدامهم - وكنت أول صحافية تنشر الموضوع -، لم استلم جوازي إلا في السجن"!
كامليا خرجت من السجن، وحفاظاً على حياتها وافقت على العمل كجاسوسة لوزارة الاستخبارات، لكنها عاهدت نفسها على أن لا تقدم أي معلومة تفيدهم ضد أصدقائها الصحفيين.. عملها كجاسوسة جعلها مستمرة في علاقة بمستجوبها الذي أقنعته ذات مرة - وبطريقة ما - أن تسافر إلى نيويورك لحضور مؤتمر.. لكنها سافرت ولم تعد!
قدمت طلبا للجوء السياسي بمساعدة صديقتها وعملت لصحيفة هناك، وقامت برحلات إلى أرجاء الشرق الأوسط كله، لكنها لم تعد إلى إيران!
"هكذا قادتني الهجرة والمنفى الاختياري بصورة غير متوقعة إلى الحياة التي طالما أردت، ملؤها الحرية، والأمان والفرص الصحافية".
كامليا تهدي مذكراتها:
"إلى ذكرى والدها
إلى أمي الشجاعة والاستثنائية
إلى كل الذين بقوا في إيران"
المذكرات الواقعة في302 صفحة، جميلة وجديرة بالقراءة لمعرفة الأحداث التي حصلت بين عهدين، وكذلك لمعرفة مرحلة الحرب العراقية الإيرانية، وإن كان الحديث عنها بشكل خاص.. وكذا إلقاء نظرة على الجرائم التي تلت الثورة الإسلامية، وإن كان الحديث بلسان المعارضة. بقي أن ألفت الانتباه إلى أن المترجم أسامة منزلجي لم يكن بتلك الاحترافية وقد خذل الكتاب كثيراً، وكان بالإمكان أن يظهر بأحسن من هذه الصورة!