ونحن في مطلع عام دراسي جديد، تعود كالعادة قضايا التعليم ومشاكله بمختلف مستوياته، التعليم العام والعالي، ولعل من أخطر وأهم القضايا التي نوقشت كثيرا دون نتيجة على أرض الواقع، هي قضية النشاط الطلابي وعلاقته بنشر التطرف والغلو الفكري في المجتمع، وأنا هنا لا أزعم أنني سأكشف الجديد، ولكن هي محاولة للتذكير بقضية مهمة جدا، لعل وعسى نجد لها حلا في هذا العام.
فمن نافلة القول أن نذكر أن المدافعين باستماتة عن التعليم ومناهجه في المملكة ـ منذ أن وجهت لبعض مخرجاته، أصابع الاتهام في نشر التطرف والغلو ـ يركزون دائما على الكتاب المدرسي "الديني" الذي لم يشكل أي مشكلة مع أحد، ولم ينتقده أحد إلا في بعض المعلومات التي صححت في المناهج الجديدة. ولكنهم في الوقت نفسه، يتهربون من الاعتراف بحقيقة ما يدور في الكثير من الأنشطة الطلابية سواء في التعليم العام أو التعليم العالي. ففي جميع دول العالم، النشاط المدرسي أو الجامعي هو المكان الرحب لاكتشاف المواهب في مختلف مجالات الإبداع والفنون، ولا تكاد تجد أديبا أو فنانا أو مخترعا، اشتهر على مستوى العالم إلا كانت الأنشطة الطلابية هي المحضن الأول له. فنحن أمام حقيقة لا تقبل الشك، تقول إن النشاط اللاصفي هو أساس بناء شخصية الطفل أو الشاب، ومن المعروف أن معظم من يشارك في هذه الأنشطة هم الطلاب المتميزون والمتفوقون، لكن الحقيقة المرة، أن معظم هذه الأنشطة المدرسية والجامعية، حوصرت كثيرا بـ"الأيديولوجيا"، فتحولت من كونها أماكن لتنمية المواهب الإبداعية ونشر روح التسامح والحوار وتقبل الرأي الآخر برحابة صدر، إلى أماكن للتعبئة والتوجيه الأيديولوجي الأحادي المتطرف.
ولأن معظم رواد هذه الأنشطة من الطلاب المتفوقين ـ كما ذكرت سابقا ـ والطالب المتفوق غالبا ما يتجه لأقسام وكليات الطب والهندسة والعلوم الطبيعية، ظهر العديد من المتطرفين الذين تركوا أعمالهم في المستشفيات أو المراكز العلمية، وانخرطوا في تنظيمات إرهاب دولية، بفعل الشحن الأيديولوجي المتشدد الذي وجدوه في الكثير من الأنشطة الطلابية منذ المراحل الدراسية الأولى وحتى تخرجوا في الجامعات، بل انتقل بعضهم إلى ممارسة أعمالهم، ومع ذلك بقيت "البصمة المتشددة" والمغالية في الدين، مسحة لازمة لهم. وعندما وجدوا أول فرصة "تدعششوا" وأصبحوا حطبا لصراعات غيرهم السياسية. ولعلي أختم هنا بطرفة وجدتها في شروط مسابقة تصوير ضوئي نظمتها جهة تعليمية ما، يقول الشرط بما معناه "لا تقبل الصور التي تظهر فيها أجساد".
القضية خطيرة جدا وتستحق حلولا جذرية وشجاعة قبل فوات الأوان أكثر.