علاقتي بالطرف الآخر جيدة جداً، وأعني بالطرف الآخر الرجل طبعاً، فهو لا يشكّل لي هاجساً معقداً بالشكل المطلق، لاعتبارات قيمة فكرياً ونفسياً، كما أني لا أفكر بأنه مجرد "حصالة"، أو مجرد كائن إنساني جل ما عليّ أن أستفيد منه بأقصى ما يمكن، الرجل بالنسبة لي حتى إذا لم يعتبرني كذلك، هو حيلتي وسندي، ووجوده أمر في غاية الأهمية، ويفترض عليّ أن أحترمه، لا أن أضعه فوق رأسي بينما أنا أطأطئ رأسي.

أعترف أن العلاقة بيني وبين الرجل لا تأخذ أي منحى سلبي، مهما قرأت وسمعت وتعرضت لبعض الخيبات التي تستحيل أحياناً مداواتها، تبقى العلاقة ودودة وجديرة بالاحتفاء، أعني أني لا أحمل أي فكر ضد ما يقوم به الرجل تجاه بعض الجراح التي تفتح ولا تغلق، ثمة أمور أهم من أن أجعل حياتي كلها تدور حوله، ولكن يتداول أفراد مجتمعي عبارة تجعلني أدرك مدى سخف وسطحية البعض، حتى إنني بدأت أبحث عن سرّ هذا المسمى، ولماذا تم اختيار هذا الحيوان الحنون الطيب تحديداً، ليصفوا به تصرفا رحيما مليئا بالطيبة للرجل، رغم أن هذا الحيوان أفضل بكثير من بعض البشر، على الأقل هو حيوان يمكن الاستفادة منه، فيما أن البعض يصبح رقماً في تعداد السكان العالمي.

والكلمة التي أسمعها حينما يصبح الرجل طيعاً وليناً مع زوجته، أو حتى مع من يحب ويرتبط بعلاقة عاطفية معها، فيطلق البعض عليه لقب "خروف"، على أساس أن الخروف حيوان لطيف ومهذب جداً، ويمكن جره وسحبه لأي مكان من قبل راعيه، دون أن يتفوه هذا الحيوان أو يرفض، فالخروف حيوان لا يملك عناد الحمار مثلاً، كما أنه لا يملك ذكاء الثعلب، أو غباء النعامة، وكسل أسد الغابة. ورغم أن طعامنا الشعبي لا يكاد يخلو بشكل يومي من لحمه، مفضلين إياه عن غيره من اللحوم، لكن بات من الطبيعي أن يتداول الكثيرون هذه العبارة الخادشة، فإذا كنا على الدوام نشتكي من سوء تعامل الرجل الشرقي مع المرأة في المجتمع، فلماذا حينما يتحول إلى رجل حريص على مشاعر امرأته يتم وصفه بهذا الوصف المخيب؟

كثير من الرجال في مجتمعي للأسف يتصرفون بازدواجية لافتة، فيعامل زوجته أمام عائلته بحشمة وشدّة، وأحياناً يهمل الحديث معها، غير مدرك وجودها أو حضورها، بينما حينما يكونان وحدهما فهو يحرص بشكل ودود على تلبية جميع رغباتها، والاهتمام بمشاعرها، والعطف عليها مع ما تواجهه من مشاكل عصيبة في العمل أو مع قريباتها، إنه نفاق معمم، والسبب حتى لا يسمع تلك الكلمة السيئة أنه مجرد "خروف" أمام امرأته، ويعني بأنه خروف أنه أقرب إلى أن يكون ناقص الرجولة، وهذا أمر مخز لأي رجل. الآخرون الذين لا نعرف ما الذي يريدونه تحديداً، يريدون من الرجل أن يكون منصفاً للمرأة، أن يكون في صفها، أن يغفر لها هفواتها في مجتمع مسلح بترسانة هائلة ومعقدة من العادات والتقاليد، كل ذلك رغبة منهم أن تصل إلى ما تريد، وفي ذات الوقت يريدون منه ألا يكون رحيماً حنوناً معها، إلى درجة أن يفتح لها باب السيارة، أو يحمل عنها طفلها، أو يقلّها من حفل زواج في آخر الليل بدلاً من أن تأتي برفقة سائق البيت الأجنبي، كل ما يريدونه أن يكون أكثر سُلطة وأكثر قوة وحزما، وإن حكم الأمر فيمكن لهُ أن يكسر كل أضلاعها، حتى لا يصبح للمرأة التي تقاسمه يومه وغده ومستقبله وأطفاله أي قوة أو سلطة عليه.

إذاً، لنتفق أنها السلطة ليست إلا، وأنها الرغبة في إظهار عجز الآخر، ولا أفهم كيف يمكن للرجل أن يمارس حياته، وهو يخبئ مشاعره عن أهل بيته، يسحقها بلا رحمة، رغم أنها تمثل جزءاً حقيقياً من الأعماق في حياته، هي تلك المشغولة دوماً به وبتربية أبنائه، ولا يظن أحد أن تربية خمس أبناء أو ثلاثة أمر هيّن، كما أنها تهتم بطعامه وملبسه وترتيب جدوله، إنها تعيش حالة يومية من القسوة، والشعور المرير بالعبث والخسارات، بعض الرجال لا يدركون جيداً أن الحياة قصيرة، ومن الأفضل له ولشريكة حياته أن يتفقا على أن يكونا في حالة من الالتصاق النفسي، والإدراك لوضع كل واحد منهما. الحياة مسؤولية، وحينما يقدم الرجل على الزواج، فيعني ذلك أنه مقدم على بناء حياة، ليكون هو ومن سيأتون من صلبه، شركاء في بناء المجتمع، فلماذا يأتي بأبناء معاقين نفسياً وفكرياً، مصنوعين من حجر الخوف والوحدة والحب، كل ذلك حتى لا يقال عنه "الرجل الخروف"، لأنه يظهر مشاعره لشريكة حياته دون الوقوع تحت وطأة فلسفة المجتمع الفارغة، وبعيداً عن عزلة الآخرين، إنه ينحني لها لكي تتقدم، لكي تتمكن من كسب السعادة وتحمل قسوة ما سيأتي لاحقاً.

الحياة ليست مبهمة، ولكن العداوة التي يظهرها البعض للرجل "الخروف" سيئة، إنهم يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا العالم، حينما يطلقون عبارات لرجل أراد أن يفتح خارطة حياته، في وسط مجتمع لا يفهم كيف لهُ أن يقدم اعتبارات ليعيش سعيداً، سعيداً فقط.