فوق عربته ذات الثلاث عجلات أشعل التونسي محمد البوعزيزي جسده النحيل قنوطا من الحياة، وهو يبكي بعد أن عزت عليه نفسه إثر تلقيه صفعة ظالمة من "شرطية البلدية" التي حالت بينه وبين "العمل".
كانت شعلة ذلك الجسد النحيل كافية لأن تلهب "تونس" وتسقط رئيسها الذي لم يصفع أحداً، لكنه فهم متأخراً حقوق شعبه.
تدحرجت عربة البوعزيزي بشعلة "الثورة" لتقود خلفها البسطاء الحالمين بالحياة الكريمة، وتسقط زعماء 4 دول، بين "مقتول ومسجون وشريد"، وتحولها إلى بؤر من الفوضى والعذابات، بعد أن فسدت أو أفسدت ثوراتها..
وفيما أراد البعض لتلك العربة أن تواصل طريقها تجاهنا؛ كان حفظ الله وحكمة قيادة هذه البلاد، ووعي شعبها الوفي مانعة دون السقوط في جحيم الفوضى..
لم تصل عربة الثورة لمبتغى البسطاء الذين ساروا في ركابها بأحلامهم الزهيدة.. تلك التي لم تتجاوز آخر كلمات البوعزيزي لقاتلته "لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل".
قصة البوعزيزي بإرهاصاتها مثال جلي لقيمة العمل في حياة الإنسان، وكيف يسفر غيابه عن اليأس والقنوط من كل شيء.. فهو الوسيلة المشروعة للحياة الكريمة.. وقيمته غير قابلة للتفاوض أو التسويف؛ بل هي أثر الشعور بالحياة.
غياب العمل هو الذي يحول الشباب بقوته وحماسه إلى كتلة من اليأس قابلة للتشكل في أي قالب متاح، من قوالب الإرهاب، والإجرام، والفوضى.. يقول فولتير: "العمل يبعد الإنسان عن ثلاثة شرور: السأم والرذيلة والحاجة"، فيما يقول الفاروق: "أحذركم من عاقبة الفراغ، فإنه أجمع للأبواب المكروهة من السُكر".
الحقيقة موجعة أحياناً، ولكنها صادقة.. ويجب أن نواجه حقيقة الضعف الكبير في معالجة قضية العاطلين في بلادنا، والذين ربما يصلون إلى نصف مليون مواطن..
وطننا آمن –إن شاء الله– بوعي شبابه من كل المحرضين؛ لذلك لاينبغي تجاهل حل قضية "توفير العمل" بشكل جاد وسريع.