"تمير"، تلك القرية الوادعة أو المدينة الصغيرة التابعة لمحافظة المجمعة، لم يكن غريبا أن تنتصر للوطن، وأن ينتصر سكانها الشرفاء للمواطنة الحقيقية. ولم يكن مستغربا ولا مفاجئا إعلان وزارة الداخلية قبل أيام عن اعتقال مجموعة من المتشددين وأصحاب الفكر المتطرف.
قبل الإعلان بأسابيع عدة كانت وسائل التواصل الاجتماعي تموج بأخبار دعاة الفتنة والضلال هناك من بعض قليل جدا من سكان "تمير" الحبيبة إلى قلبي. أغلب سكان المنطقة من الحكماء وعقلاء القوم كانوا قد أدركوا ما يدور، وأن هناك قلة من الشواذ بدؤوا يروجون للتغرير بصغار السن، وأن خوارج هذا العصر سيدفعون بأبنائهم وفلذات أكبادها إلى أتون الجحيم.
حين تكون هناك عقليات مستنيرة محبة للوطن، مؤمنة بربها واثقة في نفسها، تحمل الوفاء والولاء لولاة أمرها وقادتها المسددين كأغلب سكان "تمير"، فلا يجب أن نقلق. انتفض أولئك الرجال وتلكم النسوة للقيام بحملة تحذيرية عبر وسائل التوصل الاجتماعي من خطر شر هؤلاء، وفضح مخططاتهم، وبالأسماء، وبذات الوقت تواصلوا مع جهات الأمن المعنية فبان معدن السعوديين الحقيقيين.
لله دركم أيها الشرفاء والشريفات من أحبتي هناك، فقد جسدتم المعنى الحقيقي للوطن الواحد والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الأعضاء بالحمى والسهر.
هؤلاء المواطنون والمواطنات الذين يستحقون أن تهدى إليهم حدائق الورود، كانوا من الذكاء بمكان، إذ استبقوا مخططات أولئك المرضى وتلك العاهات العقلية التي تمشي على قدمين، ممن ضل وحاول أن يُضل فأمكن الله منهم. تلك الأحداث التي وقعت ينبغي أن تدق ناقوس الخطر بشكل أكثر جدية، فكيف وصل هذا الفكر الخائن العفن لإخوان الشياطين إلى تلكم الجغرافيا الجميلة الحالمة المسالمة؟ لا تبعد "تمير" كثيرا عن الرياض ربما ساعة أو أكثر قليلا باتجاه الشمال من عرين الأسود في نجد العزة والمجد "الرياض".
زرتها مرات متعددة، ولي فيها من الأحبة والأصدقاء والأقارب أيضا، فمن لا يحبها ويعشقها ويألف أهلها الطيبين؟ لم أقلق كثيرا حين انتشرت تلك المقاطع والمناشدات من أهلها، والحديث عن خطر صغار الدواعش هناك، ومن داعشهم بجهلٍ الى يوم الدين.
سبب ذلك أني أعرف جيدا كيف يفكر سمو محافظ المجمعة، وكيف يتعامل مع مواقف كتلك، فقد التقيته ذات مساء، وشرفت بدعوة عشاء في منزله الخاص، وتحدث بإسهاب تلك الليلة. الأمير عبدالرحمن بن عبدالله، رجل واسع الثقافة، تحدث عن أحلامه وآماله وتخطيطه لخلق جغرافيا متميزة، وتحويلها إلى منطقة ذكية وجاذبة للسياحة.
تحدث عن الاستراتيجية الإدارية والأمنية، وتسويق المعرفة بطريقة كانت تؤكد استنارة الأمير النبيل والمواطن الصالح، لهذا كله لم أقلق على معشوقتي الكبرى "المجمعة" أو حبيبتي الصغرى "تمير".
انتصر الوطن في لؤلؤة نجد، فكبّرنا وهللنا وتنفسنا الصعداء، وكانت السعادة أكبر حين كانت المبادرات من الداخل.
نثق في رجال أمننا البواسل واحترافيتهم، وتعاملهم الحكيم مع مواقف من هذا النوع، في مكان لم يعتد إلا على النقاء والصفاء والأمن والأمان كباقي أجزاء الوطن الغالي.
حين يتدخل الأشاوس من رجال الأمن، أولئك الذين يبذلون النفس والنفيس بعطاء صادق مخلص، ويسهرون الليالي والأيام، ويضحون بأرواحهم وأعصابهم؛ كي ننام قريري العين مشاركين إخوانهم من القطاعات الأخرى؛ لا يتسلل القلق إلى نفسي، فالوطن بحول الله في أيد أمينة.
ما فعله سكان "تمير" هو النموذج الذي نريد أن يحتذي به الجميع حتى نضمن أن أبناءنا وإخواننا من الشباب الصغير العشريني لن يكونوا لقمة سائغة يفترسها ذلك الفكر القاتل الوحشي المتجرد من المفاهيم الإنسانية والوطنية والدين.
فليكن فعل التميريين أيقونة الوطن وشعاره فيما يتعلق في مواجهة أعداء الوطن، وأعداء الإنسان السعودي، والفكر والحضارة، فلا مجاملة ولا مهادنة ولا مزاح، بل الشدة والسلاح حتى يركع المعاند ويخنع الخائن المتطرف، ويفيق المغرر به من سكرته.
كنت في السيارة عائدا من عملي حين رن هاتفي المحمول، ليحمل لي صوت زميلتي في المشهد الثقافي من عضوات الشورى، وهي تزغرد وتقول: "انتصر الوطن انتصر الوطن.. رجال الأمن في "تمير" قبضوا على كثير من رؤوس الفتنة". هي ذاتها زميلتي التي كانت تبكي قبل أيام والوجع في صوتها، حين كنا نتحاور ونتناقش فيما يجري هناك، وهي تردد لا أريد أن أرى المزيد من شباب وطني يحترق في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
الوطن يرقص فرحا، لكن ـ وتلك همسة في أذن أحبتي رجال الأمن ـ لنكن أكثر حذرا ويقظة، فالوطن أمانة، و"وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه".