أحمل في أرشيف (الذاكرة) عشرات بيانات إدارات العلاقات العامة التي تتصدى على الدوام لكوارث الخطأ وسقطات الفشل. وفيما عدا اثنين من مسؤولي الإدارة التاريخيين لم يظهر إلينا فرد مسؤول ليعتذر أو يعترف بالخطأ والفشل.

لم أقرأ في كل حياتي اعتذارا لمسؤول النقل عن وفاة العشرات في آلاف الحفر على الطرق العامة. لم أقرأ أيضا اعترافا صريحا من المسؤول الهندسي في وزارة التربية عن عشرات المدارس التي أخليت بعيد استلامها لخطورة إنشاءاتها على حياة الطلاب. لم يظهر إلينا مسؤول صحة شجاع ليعتذر عن عشرات المستشفيات والمستوصفات التي اكتمل بناؤها وتعذر تشغيلها لقصور فاضح في آلية الإدارة. لم يأت إلينا مسؤول (شبابي) ليعتذر إلينا ثم يعترف أنه لم يحمل مقص افتتاح لمشروع واحد منذ ثلاثين سنة. خذ بالقياس ما شئت من بقية الإدارات وكتائب المسؤولين.

احترقت مدرسة البنات الشهيرة في مكة، وانتهى التقرير إلى تحميل اللوم على سلك كهربائي رغم أننا نعرف بوضوح أن المسؤولية تقع على الباب الذي لم يفتح، وعلى العقد الذي اختار للمدرسة (خرابة). مات العشرات في عقبة (ضلع) في حوادث سير جماعي فانتهت المسؤولية إلى (الفرامل) التي لم تعمل أو على السحابة التي أمطرت في الوقت الخطأ. ضرب عشرات الأيتام وتمت إساءة معاملتهم فلم يخرج مسؤول ليعتذر لطفل بلا أب. توفي العشرات في كارثة سيول جدة فلم يأت إلينا مسؤول فرد ليعترف بالفساد والمؤامرات التي دبرت قبل نزول الغيمة الشهيرة بعشرين سنة. تم تجنيد الآلاف من شبابنا في كتائب (الإرهاب) فلم يظهر إلينا مسؤول شجاع من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ليعترف بمكمن الخطأ. قتل ستة سعوديين في مطاردات للهيئة في أقل من عام فسجلت دماؤهم الزكية ضد مجهول.

اثنان فقط، هما من اعترفا بصراحة بمكامن الخطأ ومساقط الفشل. خالد الفيصل في كتابه عن (مسيرة التنمية وشاهد عيان)، وغازي القصيبي في ثنايا كتابة رحلته في (عالم الإدارة). والعبرة لكل مسؤول كبر أم صغر أن هذين الاثنين لم يسقطا بالاعتراف، بل ارتفعا كنجمين صارخين يصعب استنساخهما في قرار إدارة التنمية، ويتنافسان على المركز الأول في: أفراد تاريخ الإدارة.