ولأني مؤمن بأن الصور يمكن أن تكون التاريخ المصور للأحداث، وبعدما شاهدت صور قطار الحرمين المزمع تشغيله منتصف 2016 والتي أرسلها رئيس المؤسسة العامة للخطوط الحديدية من مقر الشركة الإسبانية المصنعة للقطار، ونشرها على حسابه في "تويتر"، أقترح على سعادته أن يطلق تجربة جديدة تدعى "سيلفي" لالتقاط الصور الشخصية ليستمتع الركاب بأجمل الأوقات في أروقة المقصورة النابضة بالحياة العصرية.
ولكن حري بسعادته قبل إطلاق هذه التجربة أن يراجع الأرشيف منذ أكثر من 60 عاما ويرى بالصور تاريخ قطارنا العجوز الذي يرتكب الحوادث بالرغم أنه يسير في السكة وحيدا. هل يذكر سعادة الرئيس الصور المتكررة لقطارنا العجيب وخاصة في السنوات الأخيرة، إذ إنه بمجرد أن يبدأ الحركة على القضبان فأمامه احتمالان لا ثالث لهما؛ إما أن يخرج عن مساره، أو أن يتعطل في منتصف الطريق؟! هل يذكر سعادته قبل أشهر صور الجمل الذي اصطدم بالقطار قبل 100 كلم من الرياض؟ هل يذكر سعادة الرئيس قصة القطار العجوز الذي تعطل لأكثر من 5 ساعات تحت الشمس الحارقة قبل وصوله إلى الرياض بـ165 كيلومترا وهو يقل أكثر من 300 راكب؟ هل يذكر سعادته ماذا صرح حينها الناطق باسم السكك الحديدية قال: "ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى ارتفاع حرارة المحركات فتعطل القطار"! هل يذكر سعادته صور حادث انقلاب إحدى العربات على نفسها وإصابة الركاب؟ هل يذكر سعادته صور اصطدام القطار بشاحنة يقودها عامل باكستاني الجنسية دخل مسار القطار بشكل خاطئ فتوفي في الحال؟ هل يذكر سعادته صور القطار الذي انحرف عن مساره مسببا إصابة أكثر من 40 راكباً؟ هل يذكر سعادته حينها كيف استشاطت مؤسسته غضبا من الصحافة على اعتبار أن ما تنشره عن المؤسسة من انتقادات لاذعة غير دقيق؟ هل يذكر سعادته أن المؤسسة حينها وجهت اللوم على هيئة مكافحة الفساد لأنها فتحت ملف التحقيق في القطارات الإسبانية الجديدة التي أعلنت المؤسسة نفسها أنها غير صالحة للدخول في الخدمة وأثبتت التجارب أنها خطيرة على سلامة الركاب؟
ما أريد قوله يا سعادة المدير أن المواطن الرقيب أصبح واعيا فهو لم "يطير في العجة" بمجرد رؤية صور القطار المطلي باللون اللؤلؤي، فقد مللنا من تصريحات المسؤولين التي لا تطبق!
علينا أن ندرك أن المسألة ليست في الصور الفلاشية وإنما في الإنجاز والجودة، حتى لا تتكرر أخطاء الماضي، وقطعا تلك التجربة لا يحكم عليها من حيث نجاح أو فشل قطار الحرمين، لأن مبدأ التأسيس والتنفيذ جاء بزمن ووعي مختلفين، وهذا ما يجعلنا على يقين أن المشروع ولد حياً.
المواطن السعودي يحلم في ساعة واحدة أن يتنقل في أي مكان بين مكة وجدة والمدينة المنورة ويؤدي صلاته في الحرم المكي ثم النبوي ثم يعود مرة أخرى من حيث جاء دون أن يرى المناطق الواقعة خارج الحرمين، وهنا ستنخفض قيمة العقارات التي تحيط بالحرمين ويخف الزحام ويحصل كل زائر على فرصته في الطواف بالبيت أو الصلاة في الحرم النبوي دون عناء.
وأخيرا بما أن الحديث عن القطارات فقد أعلن قبل يومين المركز السويسري للمعلومات عن النقل 2014 أن سويسرا حصلت على المركز الأول في قطع المسافات بالقطار، واليابان على المركز الثاني، واللافت أن الإخوة اليابانيين خرجوا باحتجاجات صاخبة ضده بدعوى أن هذه السرعة 581 كلم/ الساعة سوف تحرمهم من التمتع بالمناظر الطبيعية؟! لذلك فقد قررت هيئة السكك تأجيل العمل بهذا القطار! ولا أظن أن هذه السرعة وهي 300 كلم/الساعة ستلاقي معارضة عند السعوديين بسبب عدم وجود مناظر طبيعية نستمتع بها!