كان ظهور النفط في دول الخليج العربي نعمة كبيرة من الله تعالى على منطقة عُرفت بمناخها الصحراوي القليل الأمطار وخلوها من الأنهار، وقد ساعد النفط هذه الدول على تحقيق قفزات هائلة من التطور وفي مختلف المجالات كالتعليم والصحة والمواصلات والتجارة والصناعة والعمران كالمنازل الفاخرة والأبراج الفندقية والأسواق الضخمة، كما نعم السكان بوسائل الراحة والرفاهية كالسيارات الحديثة والتكييف ومختلف أنواع الملابس والمواد الغذائية، وصولا إلى وسائل التقنية الحديثة من حاسوبات وجوالات ذكية، كذلك أتاح النفط بما وفّره من أموال السفر إلى مختلف دول العالم، حتى أصبح يطلق على دول الخليج (دول النفط)، هذه المكاسب وغيرها كثيرة واضحة للعيان. لكن من جانب آخر فإن النفط قد سلب منا أشياء كثيرة، وغيّر فينا أمورا كثيرة، وأصابنا بأمور أكثر! لقد شكل النفط ما يمكن تسميته (بالثقافة النفطية) أو (الرّفاهية النفطية)، وهي عبارة عن تغـييرات شملت معظم أساليب حياتنـا، وتعدتها لتشـمل معظم سلوكياتنا وأخلاقنا، فقد أفقدنا النفط:

ـ التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، فضلا عن الأقارب والجيران، فباسم التطور أصبحت البيوت كالفنادق كل له جناحه أو غرفته الخاصة، وباسم المشاغل تقاطع الأهل والأقارب، وأوجدت الحواجز الأسمنتية حواجز نفسية بين الناس، لقد امتلكنا بيوتا كالقصور لكنها قصور كالقبور، خالية من المشاعر الإنسانية، بينما غيرنا يعيشون في بيوت من خشب أو طين أو حجر، لكنها قصور من الحب والإنسانية والمودة والتواصل.

لكنك ترى دموعهم بسهولة من أجل فوز مؤقت في كرة القدم، في انحدار عجيب وغريب لكل المعاني الإنسانية الفطريّة.

ـ التبذير والإسراف في كل مناحي الحياة، وهذه في اعتقادي من أخطر السلوكيات على الإطلاق، وأكبر شواهدها مخلفات ولائم الأعراس.

أيضاً تراه يغري الخياط بزيادة حقه لينجز ملابسه أولا، ويغري الميكانيكي وصاحب المطعم، بل إننا نكاد ننفرد بإهمالنا لمفهوم "التكريم المعنوي" والتركيز فقط على "التكريم المادي" حتى مع أبنائنا في نجاحاتهم، في تكريس عجيب للثقافة المادية.

ـ سبب مهم من أسباب انتشار التفحيط والمخدرات بكل ما فيهما من خسائر بشرية ومادية، والشاعر العربي يقول:

(إن الفراغ والشباب والجدة

مفسدة للمرء أي مفسدة)

ـ انتشار التعصب الرياضي بشدة بدءا من مدرجات كرة القدم إلى الإعلام الرياضي.

ـ بالكسل والخمول والدعة، أصبح معظمنا لا يستطيع إصلاح بنشر سيارته، أو حمل أمتعته، أو أغراضه من السوق إلى السيارة! وهو ما أدى إلى إصابتنا بالكثير من الأمراض العضوية كالسمنة والسكر والضغط والروماتيزم وغيرها كثير.

ختاما إن النفط بما وفّره لنا من أموال نعمة إلهية عظيمة، ولكنه تحول إلى نقمة بسبب سوء استخدامنا لهذه الأموال في غير قنواتها المناسبة، وعلينا أن نراجع أنفسنا قبل فوات الأوان.