أصبحت مشاعر الشعراء تعاني الصلع. كأن لم يبق شعر ولا شعور في جعبة أكثرهم، وأقصد بالشعر: الغرض الأجمل وا?عذب بين أغراض الشِّعْر "الغزل".
تُرى هل تحولت المشاعر بتحول الزمن، أم فقد الشعراء النساء اللاتي يستحققن هذا المستوى الشعوري، أم إن أحداث العصر ألزمت الشعراء باستجداء ا?غراض الأخرى؟! لا سيما ونحن نعيش في زمن الصراعات، ونخضع لوضع لا يحتمل سوى أمرين: إما وصف أوضاعنا وندب حظوظنا ونظم القصائد البكائية التي تقطر ألما ودما، وإما أن نقصي شخصا و"نستقعد" له فلا يظهر ولا يكون له شأن، حتى الليلة الأولى يبيت فيها بين الجنادل، فلا تنام عين شاعر ولا تقر له قافية إلا وقد استمطرها واستحلبها حتى تفيض حزنا ووجدا على ذلك الغائب تحت الثرى، الذي كان بيننا يمر ويغدو ويروح، ولا نعرف عنه ما يبرر لنا ما نغزو به صفحات الصحف ومجالس العزاء ووسائل التواصل، مما يجعل القاصي قبل الداني يولول حزنا عليه من هول تلك الرثائيات المؤطرة بعبارات الثناء، المغسولة بدموع النادب حظ الناس على فقدهم هذا الأسطورة.
هذا ما صار عليه شعراء العصر. تناسوا الجمال وموسيقى الحرف التلقائي الكامن في قصائد الغزل. باتت ذائقة المتلقي مبلورة بين الدموع ومآسي الأمم، فلا يكاد يظهر شاعر إلا وأخرج دائرة الشعر إلى البكاء والاستجداء، ثم يقال عنه شاعر، وكل ما قاله ويقوله حصيلة مواقف تطفىء مشاعره، وتخمد لهائب قوافيه حينما ينتهي هذا الموقف. والدليل: أن الشعراء الذين طرقوا غرض "الغزل" في العصور السابقة مازالت قصائدهم حية خالدة نحيا بها وتحيا بيننا، وفي مناهجنا وكتبنا، أما شعراء العصر الحديث، فيكاد المرء ينسى أن هناك شاعرا مر على ذائقته يوما ما.
يا أيها الشعراء، لا تختبئوا وراء كثبان المدائح، وفي مقابر المراثي، عيشوا تدفق الشعر من نبعه الحقيقي "القلب"، عيشوا العطاء في الكلمة، والوفاء للحرف الذي خلق للحب والجمال والبهاء. ابقوا على نقاء قوافيكم ولا تجعلوها غارات، فلا تصل، بل تقف وقد فقدت رونقها وبهت ألقها. ولا تشيعوها على نعوش الموتى في وقت هم ليسوا في حاجتها، بقدر ما أنتم في حاجة للحياة ولها، تبهج أيامكم، وتواري سوأة لياليكم الدامسة، فتحيلها إلى وضاءة مشعة منعشة مبهجة.
ليت ابنة المستكفي تعود فتعيش عصرنا، لعل الشعراء يتسابقون ويبدعون.