"لله أبوكم"، هتفت بها وأنا أدعو لثلة القضاة في دائرة التدقيق بوزارة العدل، أولئك الأفذاذ الذين أبطلوا صكا بقيمة تسعين مليارا –عدّا ونقدا- وأعادوا لأملاك الدولة أرضا مساحتها ثلاثة وثلاثون مليون متر مربع. تصوروا المساحة -يا جماعة الخير- التي جعلت الحموضة عندي ترتفع، والدم يغلي قهرا، ولا ندرى كيف أخذوها، وما هي الطريقة أو المسمى الشيطاني الذي أخذوها به أولئكم الذين نهبوا أملاك الوطن.
سيذكر التأريخ إنجازات كبيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، ويقينا أنه سيسطر أن أبا متعب كان حربا على الفساد، وأطاح بكثير من الهوامير والفسدة وسرّاق المال العام، ولن تنسى له الأجيال المقبلة أنه حفظ حقوقهم في الثروة التي نتوافر عليها، وأنه أعاد جزءا كبيرا مما سُرق منها لخزينة الدولة، مهما كانت قامة المتعدي ونفوذه وسطوته.
أقول هذا لعلمي بأن وزارة العدل ووزيرها وهؤلاء القضاة، لم يكونوا ليخطوا مثل هذه الخطوات، إلا بعد أن اطمأنوا أنهم يتكئون على ركن متين، سيما أن بعض هؤلاء الهوامير ممن لا قبل لهم في مواجهتهم، ولكنه أبو متعب يحفظه الله لنا، الذي أعطاهم الأمان، وقبلها الثقة المطلقة فيهم وأماناتهم ورعايتهم لحق الوطن.
قبل أشهر قلائل؛ أبطلت وزارة العدل صكوكا بقيمة 400 مليار – مرة أخرى عدّا ونقدا - وأعادتها إلى خزينة الدولة، ولا أملك إلا أن أحيّي د. محمد العيسى، الذي رغم اختلاف البعض عليه، إلا أنه بخطواته هذه يسجل اسمه في تاريخ وطننا؛ بحربه على الصكوك التي أخرجت من أدراج قضاة فسدة، متمنيا على كل النخب والكتاب من زملائي المثقفين دعمه، ودعم القضاة الشرفاء للمضي قدما لنبش أمثال تلك الصكوك، وهي كثيرة جدا، وإعادتها لأملاك الدولة، وعدم التوقف عن هذا الإنجاز فقط، بل السعي الدؤوب والممنهج للتدقيق في تلك الصكوك الباطلة.
مهما اختلفنا مع معالي وزير العدل ومساعديه، إلا أن الواجب يحتم علينا شكره ودعمه في هذا الاتجاه، ومطالبته بنبش تلك الصكوك المليونية المتخفية، والسؤال: من أين أتت، ولماذا أخذت ووهبت؟ والفرصة ذهبية اليوم ونحن نعيش عهد عبدالله بن عبدالعزيز، الذي لن ننسى له حربه الشعواء على الفساد، ولن تنسى له أجيالنا الجديدة هذه الوقفات الشهمة منه لحفظ حقوقهم في ثروة الوطن.
كثيرون من القضاة الفسدة ومسؤولي أمانات وبلديات المدن، استقالوا أو تقاعدوا وهم يظنون أنهم هربوا بجريمتهم، وأنهم بمنأى عن محاسبة الوطن لهم، وعليه من الضروري أن يعاد تقييم تلك الصكوك المليونية، لأن إعادة هذه الأراضي لملك الدولة سيخفض العقار يا أحبة، وتعطى لوزارة الإسكان فرصة التحرك، وبناء الوحدات السكنية للمواطنين، وأيضا شعور المجتمع بالعدل وعدم الغبن، وهم يرون أولئك الهوامير قد جثموا على ملايين الأمتار المربعة دون وجه حق، إلا ببعض الصلات لهم مع القضاة المرتشين، أو المسؤولين الفاسدين.
مقالات عديدة دبجتها مؤخرا أحيي فيها وزارة العدل، كتبتها من واجبي – كمواطن وإعلامي- بدعم الخطوات المميزة التي تقوم بها، وأعرف أنها مقصرة في جوانب أخرى ولا شك ككل وزارة، ولكن عندما تكون خطواتها على مستويات عليا، متعددة النفع، من مثل حفظها للمال العام وممتلكات الدولة، والحرب على الفسدة والفساد رغم ضراوتهم وقوتهم بل وشراستهم؛ لا نملك إلا أن نحييها. وأعيد بأن المسؤولين اليوم فيها يحتاجون دعمنا للحرب على الفساد.
التأريخ سيكتب من نور أسماء كل من حافظ على ثروة الوطن، وحق الأجيال القادمة في المال العام من أنياب الذئاب الذين لا يشبعون.