تنفق حكومة المملكة مبالغ كبيرة وبسخاء بهدف الارتقاء بجميع مجالات الحياة، ولكي تواكب الدول المتقدمة في مختلف الجوانب، إلا أن هناك العديد من الأسئلة التي بحاجة لإجابة من المسؤولين في قطاعاتنا المختلفة، ومن أفراد المجتمع على حد سواء، ومن هذه الأسئلة:
كيف يتوقع أن نصل إلى مستوى الدول المتقدمة، وكثير منا يتعمد ارتكاب المخالفات؟ فنجد أن كثيرا من سياراتنا واقفة بشكل غير نظامي، أو بشكل مخالف في شوارعنا، ولمدة زمنية طويلة، كما تتم قيادة السيارات في شوارعنا بسرعات قد تصل إلى ضعف السرعة المحددة، وغير ذلك من المخالفات اليومية في العديد من الجوانب، والسبب يعود لعدم تطبيق النظام، حيث النظام في أغلب الأوقات موجود لكنه غير مطبق، أو به ثغرات عديدة وبحاجة لتطوير، أو تعديل، وأنا على يقين أنه في حالة تطبيق الأنظمة بشكل دائم بعيدا عن المحسويبات، والوساطات سنكون في أحسن حال مما نحن عليه الآن في العديد المجالات، ولا يقتصر عدم تطبيق النظام بشكل كلي، ومستمر على المرور، بل يشمل كافة الجوانب، والمصالح الأخرى؛ ففي حالة تطبيق النظام على الجميع لن نجد هناك مخالفات، أو تجاوزات، كما هي في الوقت الحاضر، بل يتم الالتزام من قبل المواطن، والمقيم، ومن يفكر أن يخالف يتذكر أن هناك نظاما يحول دون مخالفته، أو استمراره في مخالفته، لكن التطبيق المستمر للأنظمة شبه غائب، وهذا ما يجعل التجاوزات والمخالفات تستمر، وتتزايد كل يوم وبشكل تراكمي.
كما أنه من الصعوبة أن نقارن أنفسنا بالدول المتقدمة إذا كانت العمالة الوافدة هي من يقوم بجميع الأعمال، وتأخذ مصالح البلد، وتتعلم، وتكسب الخبرات، والمهارات، وتتدرب، وتتعلم في الأعمال التي تقوم بها عندنا بدون مقابل، وتحويلات هذه العمالة بالمليارات، ومعظم شبابنا يغطون في النوم طوال الوقت، أو في تجمعات الاستراحات، أو في مجتمع الدرباوية وما يترتب على هذه التجمعات من سلوكيات خطيرة، ومن هنا أنادي شبابنا بأن يتجهوا للأعمال التقنية، والفنية، والصناعية التي تدر ذهبا ليكون لهم دور إيجابي في بناء الوطن بأيد أبنائه، فلا نريد جميع أبناء الوطن أن يحملوا الشهادة الجامعية، ويمكثوا وقتا طويلا دون عمل؛ لأن الشهادة جعلتهم أعلى إعدادا وتأهيلا من الاحتياج الحقيقي، وبذلك لن يتنازلوا للعمل في هذه المهن، فوطننا به خير، ولكن المستفيد من ذلك بالدرجة الأولى العمالة الوافدة.
ولن نستطيع مجاراة الدول المتقدمة في ضوء نظامنا التعليمي العام الحالي الذي هو بحاجة لغربلة، وتطوير بشكل متكامل بعيدا عن التطوير الجزئي، وهذا يتطلب أن تكون رسالة التعليم العام، ورؤيته، وأهدافه واضحة على مختلف المستويات، بدءا بوزارة التربية والتعليم ووحداتها المختلفة وصولا للمتعلم، وأن تكون هناك خطة استراتيجية حديثة، واضحة، ومحددة المعالم على مستوى الوزارة، ولها خطط تنفيذية على مستوى الإدارات التعليمية، والمدارس، في مجال المناهج، وتطوير المعلم، وتوفير البيئات المدرسية المناسبة، وتوظيف التقنية في المجال التربوي، وهذا يتطلب أن يتم توفير الطاقات البشرية المؤهلة، والإمكانات المادية التي تتطلبها المدارس بمفهومها الحديث، ويتم ذلك حسب أولويات يتم تحديدها مسبقا وفق دراسات علمية.
وفي مجال التعليم العالي لا يمكن مقارنته بالتعليم العالي في الدول المتقدمة، على الرغم مما ينفق على تعليمنا العالي، وذلك لأن جامعاتنا، خاصة الناشئة منها، نسخة طبق الأصل من بعضها في برامجها، وخططها الدراسية، ولا توجد جامعة متميزة في مجال معين، كما أنه يلتحق بالجامعات أغلب خريجي المرحلة الثانوية من بنين وبنات، بينما في الدول المتقدمة لا يلتحق بالجامعات كل عام إلا ما نسبته لا تتعدى 30% من خريجي الثانوية، أما باقي خريجي المرحلة الثانوية فيتجهون إلى معاهد، ومدارس تقنية، وفنية، وصناعية. وسياسة القبول الحالية في جامعاتنا ونظامها التعليمي والتدريسي لا يختلفان كثيرا عن المدارس الثانوية المطورة، ويسهمان في زيادة نسبة البطالة بالشهادات الجامعية التي لا تجد لها فرص عمل تناسب مؤهلاتها الجامعية لأن أغلب المهن لا تحتاج إلى مؤهل جامعي، بل دبلومات مهنية متخصصة.
وعند الحديث عن المجال الصحي نجد أن الخدمات الصحية التي تقدم في أغلب مستشفياتنا لا تصل إلى المستوى المأمول عند المسؤولين عن الصحة، أو المستفيدين من تلك الخدمة؛ فالمواعيد في العيادات التخصصية بالأشهر، وقد يتوفى المريض قبل موعده في المستشفى، كما لا توجد مختبرات، ومراكز بحثية متقدمة يتم فيها إجراء التحاليل المتقدمة، وعندما تكون هناك حالات بحاجة لتحاليل متخصصة يتم إرسالها للخارج، وقد لا ينتظر المريض طويلا، ويسبق الأجل النتيجة مثل ما حصل لمشتبه إيبولا في جدة، إذ أظهرت النتيجة عدم دقة التشخيص، أو التحاليل المبدئية؛ فلماذا لا يكون لدينا على مستوى المملكة - على الأقل - مختبر مركزي واحد متقدم، ومجهز لعمل التحاليل التي قد نحتاجها بين الحين والآخر، بدلا من إرسالها إلى الخارج كل مرة، ولا ينقصنا المال، أو القدرات البشرية المتخصصة، لكن ينقصنا التخطيط السليم؟