هل أصبحنا مجتمعا سوداويا، أم أصبحت المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية بل العالمية تفضل أن تكتسي بالسواد، أم أصبحنا عاشقين للظلام، أم أن إعلامنا وإعلام غيرنا قلما وجد ما يثلج الصدر فعمد إلى نقل كل ما يصيبنا بالضيق؟ إلى حد أن هناك من قرر هجر التلفاز إلا لمتابعة قناتي القرآن الكريم والسنة النبوية، ففيهما يجد الراحة التي يفتقدها من متابعة وتيرة حياة مشحونة بكل الشرور.
لقد أصبحت المحادثات الجانبية بين الناس تدور سلبا وإيجابا حول الجماعات الإرهابية المسلحة أو عن مشاحنات اجتماعية تصل إلى طرح القضايا الكروية وإلى ما هو دونها، أصبحنا نمتهن الصراع بشتى أشكاله، وأصبحت مجتمعاتنا تقسم أفرادها إلى جماعات داخل جماعات، بل حتى الأفراد داخل الأسرة الواحدة أصبحوا ينقسمون إلى جهات شمالية أو جنوبية أو إلى هنا أو هناك، لم نعد نجد الراحة في وجودنا مع بعضنا لفترة طويلة، فبقاؤنا لفترة طويلة في محيط واحد سيضعنا لا محالة في دائرة النقاش التي سرعان ما ستتطرق إلى أحاديث مزعجة، قد تتحول إلى صراع فكري عقيم.
الأمر لا يتوقف عند العراق وسورية واليمن وليبيا ومصر وقطر وتركيا وبورما الجريحة وفلسطين المقاومة، والسرطان الذي يقبع بيننا، وهو بطبيعة الحال الكيان الصهيوني، بل تصل إلى أمور يفترض أن تكون نواة للبهجة والسرور كمباريات كرة القدم التي حولت شبابنا إلى جماعات متفرقة، وحتى المنتخب لم يعد قادرا على تجميع شبابنا حوله، وحتى من لا يهمه هذا أو ذاك يجعل من الفرص غير المتاحة محور صدام بينه وبين مخالفيه.
أتعرفون، لدي مشروع قد يخفف عني بعض ذاك السواد الذي أتمنى ألا يستحكم بنا، مشروع أتمنى أن تتبناه جماعة منا، وليت هذه الجماعة تضم جماعة من شبابنا، أتمنى أن أجد أمامي قناة إعلامية سواء كانت إلكترونية أو تلفزيونية تهدف إلى رفع معنوياتنا ومعالجة نفوس أضناها الصراع المسلح والفكري، ولا أعني هنا قناة فكاهية كوميدية، أتمنى الوقوف على قناة تجلب لنا السكينة، ولا أعني هنا قناة تعرض القضايا الدينية التي هي محل خلاف، فأنا أطمع في سماع صوت يعالج - بإذن الله - نفوسنا التي تشوهت من جراء ما يمر بنا من صراع فكري ومسلح هو بالتأكيد حصرنا في خندق سيصل بنا إلى حرب عالمية رابعة.
الخطير في حالتنا هذه أن أطفالنا ليسوا بمعزل عن حالتنا تلك، فهم يهرعون إلى برامج كرتونية تدعم هذا الصراع أو ذاك، وتدعم الخداع والجريمة بشتى أنواعها لتبدأ بالقتل والسرقة وتصور كل ذلك على أنه بطولة تستحق التصفيق، وتتطرق أيضا إلى العلاقات غير السوية على اختلافها فتظهرها على أنها طبيعية لا مجال لإنكارها.
إن المؤلم في برامج الأطفال، والكرتونية بالذات، أن الوالدين عادة ينشغلان عن أبنائهما في فترة مشاهدتهم لها، بل منهم من يترك أطفاله مع العاملات لينام أو ليتمم بعض شأنه، المؤلم أننا لا نكلف أنفسنا الحديث مع أبنائنا حول ما شاهدوه اعتمادا أن القنوات المعنية باهتمامنا متخصصة ببث برامج للأطفال، ويعيب هذه القنوات أنها عادة لا تخضع للرقابة، أو تكون الرقابة التي يفترض أن تمارس عليها منزوعة الصلاحيات.. مهمة الرقابة ترتكز على ضخ الكثير من الألوان والأصوات الجاذبة للأطفال وبالتالي الجاذبة للدعايات.
هناك من يعتقد أننا خارج دائرة الصراع وهو واهم دون شك، فنحن في المملكة العربية السعودية والخليج داخل صراع فكري يسعى مروجوه إلى تحويله إلى صراع دموي، وهؤلاء عازمون أمرهم على ذلك، والمؤلم أنهم يحاولون دعم توجهاتهم بدعائم دينية ما أنزل الله بها من سلطان، ومن المؤلم أننا عاجزون أو متعاجزون، وبعضنا لا يتوقف عند هؤلاء فيتركهم في شأنهم بزعم أن اهتمامنا بهم تعظيم لهم، أو بزعم أنهم في حجمهم لا يتجاوزون الرذاذ المثبوث والمتلاشي لا محالة.. وقد يكون لهم حق في تحجيمهم إلى هذا المستوى، ولكن أهمية القضية تنبع أن هذا الرذاذ ينتشر على ضعفه وتهافته، وقد ينقل معه ما يصيبنا في مقتل.
هل يلومني أحد إذا أصابني قلق على سلامتنا وسلامة مستقبلنا؟ وهل من الحكمة أن أتعامل مع ما نمر به كأنه طبيعة إنسانية بزعم أن التاريخ رصد أبشع منه، وأجدادنا تجاوزوها إلى غيرها، هل هذا هو المطلوب، أم المطلوب مني أن أغير ثوبي بحسب الفصول والأوضاع فتارة أقف هنا، وتارة أغير جهتي إلى غيرها، وتارة أعلن ذلك وتارة أنكره، وتارة أقبل على هذا لأصد عنه لا محالة غدا إذا تغيرت أحواله، فاليوم معه وغدا ضده.
هل المطلوب أن أعتنق السياسة الأميركية ومذهبها البراجماتزمي، فأرى جماعة "داعش" الإجرامية بسياستها الدموية عندما كانت في سورية كانت بردا وسلاما وعندما وصلت إلى مصالح أميركا في العراق أصبحت شيطانا رجيما يجب استئصاله، هل هذا هو المطلوب؟!
والمؤلم أننا لا نعرف من نعتمد عليه، فالخيانة تظهر من أضعف الخلق كما تظهر من أقواهم وحتى ممن ينطبق عليه الوصف القائل إنه "لا يهش ولا ينش"، والمؤلم أن بعضنا لا يفرق بين من هو مخلص ومن هو منافق يترصد الفرصة للإطاحة بنا، بل إننا لم نعد نثق بما تراه أعيننا ليل نهار من ابتسامات.. نخشى أن تكون كابتسامة الليث عند الانقضاض.