ما أقبح أن تنهزم النفس البشرية أمام الشهوات، والأكثر قبحا منه أن تلجأ هذه الأنفس المهزومة أمام أكثر الغرائز انحطاطا إلى تبرير تصرفاتها ومحاولة إضفاء الشرعية عليها. وذلك من خلال القفز على فضيلة الزواج وقدسيته بهدف إضفاء شرعيته على ممارسات وسلوكيات تعكس درجة الخلل الأخلاقي لدى البعض. وذلك من خلال ابتكار مسميات مثل: "زواج المسيار، والزواج بنية الطلاق" وغيرها من المسميات التي يطلق عليها مسمى "زواج" من أجل إلباسها صفة الشرعية، وما هي في حقيقتها إلا أنياب مسمومة تُغرس في جسد فضيلة الزواج بصفته العلاقة الوحيدة المشروعة التي شرعها الله بين الذكر والأنثى وأقرتها جميع الديانات والحضارات. هذه الممارسات التي يسمونها زواجاً لا تكتفي باغتيال فضيلة الزواج، بل تشجع أيضا على اغتيال فضيلة الصدق لدى الإنسان لأنها زواجات شعارها "الكذب". وذلك من خلال التشجيع على الكذب على النفس وعلى الآخرين. يبدأ المشوار بالكذب على زوجة المسيار التي هي بدورها مطالبة بالكذب على الجيران والأقارب حتى لا تنكشف سرية الزواج، ويمتد هذا الكذب إلى الزوجة الأولى في حال وجودها وإلى الأولاد وكافة الأقارب والأصدقاء ويبلغ هذا الكذب قمته في حال الزواج بنية الطلاق، حيث تجد المرأة نفسها ضحية كذب تسنده الفتاوى الشرعية بإباحته للرجل فقط. هذه الزواجات تشكل انتقاصا لحقوق المرأة من خلال التخلي عن جميع مسؤوليات الزواج والتخلي عن القوامة التي تعطي الرجال فضلا على النساء وذلك بما أنفقوا من أموالهم، وهي إضاعة كاملة للتنشئة السليمة للأولاد الذين حتما سيجدون أنفسهم بلا هوية، فضلا عن كونه استهانة بمشاعر بعض النساء اللاتي يحلمن بالإنجاب وتكوين أسرة.
لا شيء يهدد الأمن الاجتماعي للمجتمعات مثل الاستجابة للرواسب الشريرة الكامنة في بعض النفوس التي لا تتوقف عن البحث عن مخرج تقفز به على كل الشرائع والأعراف والتقاليد وتسهم في إضعاف القيم الاجتماعية التي تقف عقبة أمام المتناقضين مع أنفسهم الذين يرددون شعارات الفضيلة بألسنتهم وفي نفس الوقت يستجيبون لنداءات أبعد ما تكون عن الفضيلة، وينتج عن ذلك اغتيال فضيلة الزواج التي تعد علاقة نبيلة وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها علاقة تغمرها المودة والرحمة، "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". وهي علاقة راقية ذات هدف نبيل تسيرها رغبة الإنسان الطبيعية نحو إنجاب البنين الذين يعدون من زينة الحياة الدنيا ويترتب على ذلك تكوين أسرة توفر الأمن والراحة النفسية والتنشئة المتوازنة وتلبي رغبة الإنسان الفطرية بالشعور بالانتماء لجميع أفرادها، وهذا لن يتحقق من خلال زواجات كالمسيار وغيره من المسميات التي يبدو أن الكثير منها ما هو إلا مجرد استجابة لإشباع رغبة جسدية من خلال التمسح بفضيلة الزواج. فالعلاقة بين رجل وامرأة كل منهم يبقى في بيته ولا يلتقيان إلا لإشباع رغبة جسدية لا ترقى إلى أن تسمى زواجا مهما حاول أنصار هذه العلاقة التشبث بفضيلة الزواج فما الذي يتحقق من مقاصد الشريعة في هكذا زواج؟.
ومن المعروف أن هذا النوع من الزواجات لا يوفر بيئة أسرية مثالية لأطراف الحياة الزوجية وإنجاب الأطفال وتربيتهم تربية سليمة وتكوين الأسرة التي يمكن اعتبارها أهم الدعائم الأساسية لبناء النظام الاجتماعي الذي يحفظ توازن المجتمع.
الذين يتذرّعون بشرعية زواج المسيار ليتهم يقومون بجولة على محركات البحث عبر الإنترنت ويطلعون على بعض الإعلانات والتسهيلات والمغريات والعروض التي تقترب من عروض الدعارة تحت غطاء شرعي ولا تندهشوا عندما تجدون مراهقين ومراهقات لم يبلغوا سن العشرين يعرضون رغبتهم في زواج المسيار.