منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 ونحن نحاول محاربة التطرف الفكري دون نجاحات تذكر، والسبب في ذلك اكتفاؤنا بنقد الأفعال وقت حدوثها وإهمال محاربة الفكر الذي تنطلق منه هذه الأفعال التي دائما ما يسارع البعض في نقدها والبراءة منها رغم أنها تنطلق من أفكار لا يزال البعض يتبناها ويغضب عند انتقادها، حتى أصبحنا في تناقض كامل بين الأقوال والأفعال.

وفي الحقيقة أننا لم نوفق في محاصرة الفكر المتطرف، ولم نقف موقفا حازما منه، فنتج عن ذلك غياب أو تهميش للخطاب الديني المعتدل الذي لا يجعلنا في صدام مع الآخرين، فتجد على سبيل المثال خطيبا يدعو على المنبر بأن يجعل الله نساء الكفار غنيمة للمسلمين، ثم تجده يشجب ويستنكر ويرفض ما قامت به "داعش" أو جماعة "باكو حرام" من سبي للنساء في مشهد يبلغ أقصى درجات التناقض رغم أنهم طبقوا ما يتمناه ويدعو به على المنبر، وهذا غيض من فيض. ويوجد بيننا من يستميت في الدفاع عن الفكر المتطرف، وعندما يتم تطبيقه على أرض الواقع تجده أول شخص يتبرأ من هذه الأفعال، ويصف من يقوم بها بأنهم خوارج أو مغرر بهم، ولن ننجح في حربنا على التطرف ما لم نعد هؤلاء الأشخاص أهدافا في دائرة الحرب على التطرف.

وبناء على الأسلوب الذي كان سائداً فمن الطبيعي أن تكون نسبة النجاح ضعيفة، ففي الخطاب المتطرف أن الذين حاولوا نقد التطرف وصفوا بأنهم "زوار للسفارات، منافقون، أعداء للفضيلة، دعاة للرذيلة، عبّاد للشهوات، صهاينة العرب، دعاة للسفور، دعاة للتغريب، وأنهم من المحاربين لله ورسوله، بل إن البعض منهم اضطر إلى العيش خارج المملكة والبعض الآخر فضل لزوم الصمت. وهذا يثبت أن هناك أشخاصا استطاعوا أن يجيروا الحرب على التطرف بأنها الحرب على خصومهم وعلى كل من ينتقدهم، ونجحوا في ذلك بسبب ضبابية الموقف وعدم تحديد المفاهيم بشكل دقيق وهذا يمثل أولى خطوات الفشل لأي مشروع.

والتطرف الذي كثر الحديث عنه في الفترة الأخيرة أحد هذه المفاهيم التي يكتنفها الغموض، فهو يختلف حسب المنظور الذي يستخدمه الفرد، فالتطرف لدى البعض يتمثل في أي نقد موجه للأيديولوجيا التي يؤمن بها، والمتطرف في نظرهم هو من ينتقدهم.

والمشكلة الأخرى التي تواجه من يريد أن يحارب التطرف في المجتمع السعودي تتمثل في وجود متطرفين يزعمون أنهم يحاربون التطرف في الوقت الذي ينظر إليهم من قبل البعض على أنهم هم الخطر الحقيقي الذي ينبغي التخلص منه.

من يريد أن ينجح في مجال محاربة التطرف فعليه أن يمتلك الجرأة في التصريح ولا يكتفي بالتلميح، وأن يمتلك الجرأة في رسم منهج معلن وواضح لا يقبل الممالأة ولا المواربة.

فمن هم الأشخاص المتطرفون الذين وجودهم خطر على الفكر ونريد أن نؤمن عقول أولادنا وشبابنا منهم؟ من هم المتطرفون الذين جميعنا ندعوهم إلى الوسطية والاعتدال الفكري؟ فهل نمتلك القدرة والشجاعة على تحديد من نقصدهم؟ هل نحن قادرون على تسمية الأمور بمسمياتها دون مواربة أو مجاملة؟ هل نحن قادرون على استبعاد من يشكلون خطرا على الفكر حتى لو كانوا يعتقدون أنهم فرسان في معركة الحرب على التطرف؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تحدد مدى نجاحنا في محاصرة التطرف، وأنا شخصيا غير متفائل لأنه يوجد بيننا أشخاص يبدعون في الفوضى والقفز على المبادئ وركوب كل موجة ومحاولة التشويش وتمييع المواقف وتقديم المبررات ورمي التهم على الآخرين لينجوا بأنفسهم ويحولون الأنظار بعيدا عنهم.