الآن تأكدت؛ إنه الشيء الثاني تماماً على قائمة الأشياء الأكثر استفزازاً لي بعد مشهد شخص فارغ من هوية معينة، لذا تراه يرتدي شعارات فريقه المفضل في كل مكان من جسده لسد الفجوة.

المسألة باتت مزعجة، تلك الإحالة المستمرة لحدث تاريخي عابر ومحاولة تحميله أخطاء مرحلة كاملة وتغيراتها الاجتماعية والسياسية والدينية ومشاكل التنمية ونمط المعيشة، كل هذه الفاتورة الطويلة يلغيها أحد التافهين بإحالته الشهيرة: "إنه بسبب جهيمان يا عزيزتي، ولولا أن حدث ما حدث لكنا نرقص الآن في دار الأوبرا".

لا زال مشهد كبار السن الأربعة الذين اجتمعوا على طاولة الفطور في الظهران عالقاً في ذهني، مظاهرهم تماثل سحنات قائدي الحافلات، أو "صبابين القهوة" في الدوائر الحكومية. لكنهم جميعاً كانوا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، وقادرين على خلق حديث يمر دون أن تستشف منه تفاهة أحدهم أو جهله، والجواب على هذا المشهد كان مقنعاً، إنها أرامكو.

نجحت شركة الزيت إياها في التقاط مجموعة من البدو الرحل، والفلاحين وغيرهم من جميع التوجهات والمشارب الجغرافية، وصنعت منهم "أوادم" بمفاهيم المدنية الحديثة، ومضرب مثل بين أقاربهم الملاصقين الذين ظلوا يرعون أغنامهم، أو يسمدون أشجارهم بحسب الخلفية التي نشؤوا عليها.

وبما أن الأمر لم يكن صعباً على شركة الزيت، سينتهي كقطعة كيك من بساطته في يد الحكومة، التي تستطيع أن تصنع "أرامكو" على مد النظر.

وما يزال مجموعة من الجهلة يحاولون تكرار وتمرير العبارة المبتذلة "إنه جهيمان يا عزيزتي"، متناسين لفرط غبائهم أن العالم مملوء بالقتلة والمجرمين والأصوليين والمجانين دون أن يشكلوا أثراً في حياة أي مجتمع أو نسيجه أو هويته. لأنهم يعلمون تماماً أن من يملك السلطة ورأس المال هو المسؤول الأول عن حياته ونسيجه وهويته، وأنه لو تمكن أحد المجانين أو القتلة من تولي أركانه –أي المجتمع-، فإن من يتحمل الخطأ هو الشخص الذي ترك له الطريق مفتوحا.

لذلك إنه ليس "جهيمان" يا عزيزتي، ولم يكن يوماً كذلك.