بدعوة كريمة من مسؤولة العلاقات الخارجية بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، الزميلة رغدة بخرجي حضرت لمشاهدة برنامج الإثراء المعرفي. ذلك المحفل التوعوي الرائع هو أحد برامج ذلك المركز التنويري التابع لشركة أرامكو السعودية والذي يعتبر الجناح الثقافي للشركة.

لن أتحدث عن إيمان أرامكو بمشاريع المسؤولية الاجتماعية فهذا ديدنها وعقيدتها، ونتائج تلك الجهود شاهد على ذلك. الحديث سيكون عما رأيته داخل أروقة هذا العرس المعرفي والكرنفال المعلوماتي وإصرار مئات الشباب السعودي المستنير من الجنسين من المتطوعين لتثقيف العقل الجمعي. كنت قد سمعت عن إثراء المعرفة حين أقيم سابقا في الظهران لكنني وبكل تجرد لم أكن أتوقع أن يكون مبهرا ومميزا وعالميا ساحرا لألباب الحضور، هكذا وليس من رأى كمن سمع.

بداية يقدم البرنامج لمئات المتطوعين الذين يحضرون بعدد إجمالي يفوق الخمسمئة شاب وشابة سعودية يوميا لخدمة المشهد التوعوي تدريبات عديدة. يدربهم على العلاقات العامة ومقابلة الجمهور ويعطيهم دروسا في إدارة الحشود مع تركيز مكثف على سياسة العمل بروح الفريق. حين تدلف إلى الداخل يستقبلك شباب سعوديون كأنهم اللؤلؤ المنثور ليمارسوا تثقيفا مجتمعيا رائعا عن ترشيد استخدام الطاقة، وأحدث ما توصل إليه العلم الحديث من تقنيات لفعل ذلك. الطريقة التي يستخدمها هؤلاء المميزون مشوقة ومثيرة تجمع بين الاحترافية وسعة الاطلاع وحسن التقديم وبشاشة التعامل مع عشرات الآلاف يوميا. معلومات لم أكن أعرفها تتعلق بكل سبب له علاقة بالاستخدام الأمثل لتلك الطاقة بشرح عملي على كل أنواع الأجهزة الكهربائية والتقنية. ربط العقل الجمعي بتراثه الديني وثقافته الإسلامية يتضح جليا من خلال برنامج أسماء الله الحسنى في هذه التظاهرة التثقيفية. شاشات عرض تعتبر الأكبر والأحدث تكنولوجيا على مستوى العالم؛ تعرض كل اسم من أسماء الله الحسنى بما يتناسب معه من صور وأفلام ومقاطع قصيرة. فحين يأتي مثلا اسم الخالق مترجما للإنجليزية بما تعنيه تلك الكلمة ترى في المقاطع إبداع الله في خلقه بمشاهد تسلب العقول وهكذا.. تتجاوز ذلك البرنامج لتدخل برنامجا آخر أكثر إبداعا حين يستقبلك شباب آخرون بملابس تعود لعصر العباسيين والأمويين، ويتقمص كل منهم شخصية عالم مسلم ما ليحدثك عن مخترعاته ومؤلفاته. استمتعت كثيرا وأنا أستمع إلى الحسن بن الهيثم يحدثني عن قصص نجاحه العلمي وما قدمه من منجزات بطريقة مشوقة محببة للنفس لا تملك معها إلا أن تعطي كل أحاسيسك له وتنصت بشغف.

تحفيز الذهن لدى الطفل عن طريق صنع الأشكال الهندسية والتعبير عن مكنونات النفس بطريقة علمية مدروسة ومنهجية ناجحة جداً برأيي. في برنامج قهوة الفن كانت هناك نورة، شابة سعودية متطوعة تفيض نشاطا وحيوية، حيث يتعلم الزوار فن الرسم على الماء والرمل وسحر الخط العربي ومهارات أخرى كثيرة لمختلف الأعمار باستخدام أحدث ما تفتق عنه العقل البشري من وسائل التقنية. ولكون أرامكو المستنيرة تؤمن بالمشترك الإنساني العام وتعتقد أن التجربة الإنسانية واحدة رغم التنوع فلن يكون غريبا أن تجد مجموعة ساكورا المملكة. هم مجموعة من الشباب المتطوع المهتم بنشر الثقافتين اليابانية والسعودية في كلا المجتمعين من خلال الفعاليات الثقافية، وهكذا يعرِّفون بأنفسهم هادفين لتقوية روابط الصداقة بين المجتمعين. يحدثك الكيميائي السعودي أيمن الجريفاني وهو شاب سعودي متطوع عن مستقبل الطاقة والتوقعات المستقبلية بمعلومات دقيقة جدا تشعر معها أنك فعلا في ثراء وإثراء معرفي. يحدثك طالب الدكتوراه موظف أرامكو عويد الجفران عن فكرة البرنامج وإيمانه العميق ببلوغ الهدف في الوصول إلى مجتمع معرفي وتنمية الوعي بأسلوب يجعلك توقن أن هذه الطاقات الشابة السعودية تؤمن بما تفعل.

يودعك البرنامج بتعهد لطيف يكتبه من يشاء في برنامج كمبيوتري رائع يحتفظ ببريدك الإلكتروني ليذكرك بالوعد الذي قطعته على نفسك إما بترشيد الطاقة أو التثقيف التوعوي أو أي من الخيارات الأخرى المتاحة. عشرات البرامج الأخرى كانت أيضا على مستوى عال من الجودة لكن محدودية مساحة المقال تحول دون التطرق إليها جميعا. المسؤولية الاجتماعية مفهوم بدأ يتبلور محليا وهذه دلالة وعي صحي وأننا نسير بالاتجاه الصحيح. ينبغي أن يكون الإعلام سندا وشريكا لتلك البرامج الوطنية برأيي، ومن هنا أدعو الزملاء والزميلات الفاعلين في المشهد أن يكون لهم دور في إبراز تلك الجهود الجبارة. الوطن يستحق الأفضل دائما، ولنأمل ونسع ونخطط ونعتقد جازمين أن الوصول إلى المجتمع المعرفي والجغرافيا الذكية بات وشيكا.. غادرت قاعة كبار الشخصيات والسعادة تملأ قلبي، وكلي قناعة أن وطني بخير، وأن المسيرة العبدلية التنويرية مستمرة، تقودها تلك العقليات الشابة الخلاقة لغد أكثر وعيا ومعرفة.

شكرا أرامكو بحجم السماء لما تقدمين للوطن، والشكر موصول لكل سعودي وسعودية يحضران تطوعا من الرابعة عصرا حتى منتصف الليل عشقا للوطن فقط.