على ساحة الإنترنت وفي كثير من نقاشاتنا الجانبية تثار دوما المقارنات بين إنجازات بلادنا مع البلدان الأخرى. بالتحديد يقوم البعض منا أحيانا بترويج رسائل عبر البريد الإلكتروني يشتكون فيها من عدم وجود خدمة معينة أو تدهور خدمة ما في بلادنا. البعض أيضا لا يكف عن مقارنة بلادنا من حيث تطوير وتطبيق الأنظمة مع دول متقدمة بذلت جهودا مضنية لعشرات السنوات في تطوير أنظمتها وقوانينها. هذا البريد الإلكتروني بمختلف توجهاته يتلقفه الكثيرون ليصبح مادة تطوف عبر أرجاء الكرة الأرضية تسخر منا ومن بلادنا.
وبالرغم من أني في كثير من الأحيان أتمنى مثل هؤلاء أن تكون بلادنا أفضل بلدان العالم إلا أنني دوما ما أنتهي بعودتي إلى منطق الأمور وما درسته من نظريات علمية راسخة في التمدن والتطور والحضارة ودراسة مستفيضة لتجارب دول كثيرة من دول العالم ومشاهدات وتجارب شخصية. خلاصة ما أريد قوله إن ما يصلنا في كثير من الأحيان من بريد إلكتروني من هذا النوع قد يكون صحيحا ظاهريا في بعض أجزائه إلا أن الأخذ بنتائجة ينم عن جهل وقلة وعي بمنطق الأمور. لماذا؟ لأن كل دولة من دول العالم تعيش واقعها وظروفها الخاصة وهي التي تصنع تقدمها وتجربتها التنموية بشكل فريد لا يمكن محاكاته أو نسخه أونقله بالكامل لدولة أخرى، وجميعنا كمجتمعات إنسانية، وفي أفضل الأحوال، لا نملك إلا أن نقتبس جزئيات من تجارب الغير نحاول تطبيقها بحذر مع تعديلات تفرضها ظروفنا.
الاختلافات بين دول العالم تأخذ أشكالا يصعب حصرها. هذه الاختلافات تؤثر تأثيرا مباشرا وحتميا في درجة تقدم أو تأخر هذا البلد أو ذاك. هناك دول متقدمة ودول نامية والأخيرة تختلف درجة النمو تبعا لخصائصها وثرواتها المادية والبشرية... دول نامية فقيرة يعاني مجتمعها من أزمة في الغذاء والماء والرعاية الصحية والتعليم والمأوى وحتى الملابس... دول نامية أخرى ثرية لديها من الإمكانات المالية ما تستطيع تلبية أكثر من احتياجاتها الأساسية... دول نامية مترامية الأطراف وأخرى محدودة المساحات... دول نامية استعمرت بمستعمر أجنبي ترك وراءه بعض النظم الإدارية وأخرى بدأت إدارة شؤون مجتمعها من الصفر... دول نامية تعيش مجتمعاتها ثقافة منفتحة وأخرى تعيش ثقافة منغلقة... دول نامية تفتقر إلى القوى البشرية وأخرى تعاني من زيادة مهولة في أعداد سكانها... دول نامية تفتقر أجهزتها الإدارية الى الكوادر الماهرة القادرة على تخطيط وتنفيذ البرامج التنموية وأخرى تعج بالموظفين الزائدين عن حاجتها... دول نامية لديها فائض في المتعلمين العاطلين عن العمل درسوا تخصصات غير مطلوبة ودول أخرى مازالت قيم موظفيها تتسم بالسلوك الانتهازي والمحاباة ودعم المصالح الفردية على حساب المصلحة العامة وعمليات التوظيف فيها ما زالت تتأثر بالاعتبارات الشخصية.
النظر إلى هذه الاختلافات العديدة بين الدول والتفكر فيها وفيما ابتلى الله كثيرا من غيرنا يعطينا فرصة لمعرفة نعم الله عز وجل على بلادنا، ويعطينا في الوقت نفسه فرصة لتسليط الضوء على النواحي السلبية التي تعاني منها بلادنا. ما نحتاجه اليوم ألا نخدع أنفسنا من خلال مقارنة بلادنا بغيرها دون النظر إلى الاختلافات الجذرية بين ظروفنا وظروف تلك البلاد. وعليه، فإن توعية أنفسنا بهذه الاختلافات بين دول العالم وأبعادها ومضامينها وطريقة تأثيرها في حركة التنمية تمكننا من تقدير ما تنجزه مؤسساتنا ومحاسبتها على تقصيرها بدلا من البث العشوائي لروح الإحباط بيننا.
نحن في المملكة لسنا مجتمعا ملائكيا ولم يقف مسؤول في الدولة يوما ما مدعيا ذلك وفي نفس الوقت تعاني تنميتنا من العديد من الأمراض التي لم ينكرها أحد. ولكن نحن بشر مثلنا مثل غيرنا نصيب ونخطئ. نحن دولة نامية تشق طريقها إلى النمو والتقدم بما حباها الله من إمكانات كثيرة ولن نصل إلى مبتغانا من التقدم إلا من خلال تظافر الجهود وعندما نعي حقيقة الأشياء.