كلما اقتربت مصر من إنجاز خارطة الطريق والاستحقاق الرئاسي، اللذين يكفلان عودة "الهدوء" للشارع المصري، الذي يعود حتما على المصريين بـ"الرخاء"، بوصفه عصب الحياة لأي بلد، تتسع رقعة "التكالب" على "أرض الكنانة"، ما بات أمرا مدركا من قبل المصريين، الأمر الذي يولد إصرارا من قبل "الشرفاء"، على قيادة الدولة إلى بر الأمان، بأي ثمن، وبأي حال كان.
ومن هذا المنطلق، تتباين أفعال الخبراء المحللين الأمنيين والسياسيين تجاه تحديد هوية المستفيد من نشر العنف في مصر، خاصة بعدما دخل تنظيم "القاعدة" على خط المواجهة، معلنا على لسان زعيمه أيمن الظواهري، دعمه للإخوان المسلمين في مواجهة خصومهم من الجيش والشرطة.
موطئ قدم
منسق الجبهة الوسطية، صبرة القاسمي له رأي حول دخول القاعدة أخيرا على الخط، عبر تحريض رأس التنظيم أيمن الظواهري، "ربيب مدرسة الإخوان المسلمين". ويجد القاسمي أن "التصريحات التي وردت على لسان الظواهري، تعكس كيف أنه يبحث عن دور للقاعدة في مصر، بعد أن أفلس ومني بهزيمة ساحقة في سورية، وبالتالي فإن التنظيم والجماعات الإرهابية المتطرفة لم يعد لديها سوى القتل والتخريب، وأن التنظيم يعكف على زرع الفتنة والشقاق في صفوف الشعب المصري بطوائفه المختلفة، لزعزعة الاستقرار في البلاد، بعد أن فشلت عملياتهم الإرهابية في إثارة الرعب في النفوس، وهذه التصريحات سيكون لها نتائج سلبية، خاصة وأن هناك قلة تظن أنها تخدم الدين باتباع تعليماته، وستترجمها لعمليات إرهابية ستضرب البلاد في الفترة المقبلة".
البحث عن "عدو بالداخل"
القيادي السابق بجماعة الجهاد، أحمد صبح، يرى أن "الظواهري "رأس الخوارج"، ولم يقدم للإسلام أي شيء إلا الخراب والدمار والرجعية والتخلف، ولم يحارب في موقع ضد أعداء الإسلام، بل إن شغله الشاغل كان إيجاد العدو من الداخل، تنفيذا لتعليمات المخابرات الصهيونية، وأتعجب من دفاع الظواهري عن الإخوان المسلمين، خاصة وأنه سبق له أن هاجمهم لخوضهم الانتخابات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ووصفهم في كتابه "الحصاد المر" بأنهم خارجون عن الملة".
علاقة "القاعدة والإخوان"
ويجد أمين الإعلام بحزب الحركة الوطنية المصرية، خالد العوامي، أن "تصريحات الظواهري الأخيرة، تكشف العلاقة الخفية التي تربط بين تنظيم القاعدة وبين جماعة الإخوان، وأن مثل هذه التنظيمات لا تعترف بالأوطان ولا بالجيوش النظامية ولا بأجهزة الأمن الداخلية، لا تعترف بالمليشيات المسلحة وعصابات المرتزقة، وأقصى أماني هذه التنظيمات هو أن تسقط الدولة وينهار الجيش وتتفكك الشرطة وتتحول الدولة المصرية إلى دولة عصابات مثلما يحدث في الصومال وليبيا".
ويضيف العوامي أن "مؤامرات زعيم القاعدة تؤكد أن مصر أصبحت الهدف الأول للتنظيمات التكفيرية على مستوى العالم، وأتوقع أن تنشط وتيرة الأعمال الإرهابية في الفترة الحالية وحتى انتهاء الانتخابات الرئاسية، ما يعني ضرورة أن تتوخى قوات الأمن الحذر والعمل على إفشال هذه المخططات، التي تستهدف ضرب مسيرة التحول الديموقراطي في مصر، وإبقاء الوضع مشتعلا في الشارع".
التنظيمات التكفيرية
أما الخبير العسكري اللواء مختار قنديل، فيرى أن "بعض التنظيمات التي تسعى إلى نشر العنف في مصر هي تنظيمات تكفيرية، وبعضها متطرف، هدفه الانتقام من ضباط الجيش والشرطة، بسبب فض اعتصامي رابعة والنهضة، وذلك من خلال أسماء متنوعة مثل "أنصار بيت المقدس"، و"أجناد مصر"، و"الجيش الحر"، وتقوم تلك الميليشيات بحرب نفسية، وتتخفى بحيث إنها ليست منظمة وليس لها أي كوادر أو مقرات، وكلها مرتبطة ببعضها البعض لتبادل الأسلحة والتمويل ويؤون بعضهم لتدمير الدولة، والمنتمون لتلك الجماعات يعتنقون أفكار سيد قطب وحسن البنا، وبعضهم هواة، والآخر مأجور ومرتزق، وبهم أناس مؤمنون بالفكر التكفيري، مثل أنصار بيت المقدس".
30 يونيو وتبخر حلم التقسيم
الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت موسى له رأي آخر، حيث استقر كما يقول "هؤلاء الإرهابيون بكثرة بسيناء في عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، ليكونوا جيشا يواجه الجيش المصري، ويعمل على تقسيمه وتقسيم مصر، لكن ثورة 30 يونيو 2013 أنهت هذا المخطط، مما جعل هؤلاء الإرهابيين ومنظماتهم، بسبب الضربات المتلاحقة لهم من القوات المسلحة، يجتمعون تحت مظلة "أنصار بيت المقدس"، التي استعانت بمنظمات إرهابية مثل "أجناد مصر" وغيرها، لإرباك الأمن المصري داخل القاهرة وفى المحافظات، بعد أن واجهوا هجمات متلاحقة في سيناء، مما جعلهم غير قادرين على تنفيذ مخططهم في سيناء، محاولين من خلال التفجيرات الإرهابية إرباك الأمن المصري وخلق حالة من الذعر لدى المواطنين، فضلا عن محاولتهم تكوين ما يسمى بالجيش المصري الحر في ليبيا، بدعم مالي من دول معروفة، فيما يتولى الحرس الثوري الإيراني تدريبهم، وتزودهم دولة إقليمية "معروفة أيضاً" بالتخطيط والتنظيم، من أجل إشاعة العنف في مصر طوال فترتي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
وجه لعملة واحدة
ويؤكد اللواء محمد نور الدين، مساعد أول وزير الداخلية السابق، أن "جماعة الإخوان زرعت كل التكفيريين في مصر لمواجهة الجيش، ولكي تحتفظ بوجهها النظيف أمام العالم، بأنها تريد كبح جماح الجماعات التكفيرية وتنظيم القاعدة، وكل الأسماء التي يسمون بها أنفسهم ما هي إلا وجه لعملة واحدة". وبشكل غير مباشر يؤيده الخبير الأمني العقيد خالد عكاشة الرأي، ويرى "أن الفترة القادمة ستشهد نزوح الجماعات المتشددة بصورة عامة، وليس الإخوان فقط، إلى العنف، وذلك بسبب فشلها في ترويج ما كان يعرف بـ"مشروعها الفكري"، فالإرهاب سيظل موجودا لفترة طويلة، وستزداد معدلات عنفه بصورة أقوى مما حدث خلال الفترة الماضية، حيث سيكون هناك المزيد من العمليات الإرهابية، التي تستهدف أفراد الشرطة والمنشآت الشرطية، وستشهد البلاد عمليات إرهابية في أماكن متفرقة، وستكون بصورة أبشع مما حدث في تفجيرات مديريات الأمن والكمائن، حيث سيقوم الإرهابيون بتنويع طرق استهدافهم للداخلية ولن تتوقف المسألة على تلفيات أو وفاة أعداد قليلة".
"المؤامرات الخارجية"
الخبير الأمني اللواء حمدي البطران ربط رأيه بما قال إنه مؤامرات خارجية تتعرض لها مصر، ويقول إن "مصر تتعرض إلى مؤامرة خارجية تستهدف المنطقة العربية، وهي مؤامرة لديها التمويل ولديها القدرة على التنفيذ، ولديها كمية معلومات لا تخطر على بال أحد، ففي عهد مبارك تسللت الجمعيات الأميركية وجمعيات حقوق الإنسان، وكانت هناك حمى لجمع المعلومات عن مصر، حتى وصل الفضول ببعضها لمعرفة عدد الأطفال غير الشرعيين، والفقراء والمساكين، وهي معلومات غريبة جدا حرصت المراكز الحقوقية على جمعها قبل 25 يناير 2011، وكان المقصود إشعال "ثورة جياع"، وبالرغم من هذا، لم تحدث ثورة الجياع تلك، ولم يتم التعدي على الممتلكات خاصة إلا من قطاع طرق، لكن مصر لم تشهد فكرة هجوم مجتمع عشوائي على مجتمع متقدم، فضلا عن إغراق مصر بالسلاح بهدف تحقيق فكرة الفوضى الخلاقة، التي تقوم على انشقاق المجتمع المصري لجماعات مسلحة، حيث تسرب جزء كبير من أسلحة متقدمة لسيناء، في ظل الانفلات الأمني وعدم وجود شرطة، وكان المقصود انهيار مؤسسات القضاء والشرطة والجيش، وبالفعل انهار جهاز الشرطة جزئيا، ما أدى لمشكلات كبيرة، منها انتشار السلاح في الصعيد، حتى وصل الأمر ببعض القبائل للتسلح بأسلحة متطورة، مخزنة وموجودة في مصر".
أصابع "إيرانية"
وفي إطار المؤامرات الخارجية أيضا، يقول مدير مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية، اللواء سامح سيف اليزل، إن "التقارير الأمنية تشير إلى أن إيران تمد ما يسمى بالجيش المصري الحر بالمعلومات اللازمة، للوصول إلى أفضل النقاط التي تنتقل فيها عناصر الجيش المصري الحر، وعددهم 700 عنصر، إلى الحدود المصرية، ويجري الجيش الحر تدريباته في ليبيا بقيادة إسماعيل الصلابي وغانم القبيسي وأبوفهد الرزازي، الذين اختاروا ليبيا، لإجراء عمليات التدريب العسكري لما تعانيه من انفلات أمني، بينما تمدهم أجهزة استخبارات "إقليمية" بالدعم اللوجيستي، ما دفع الخارجية المصرية لاستدعاء السفير مجتبى أماني، رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة، أخيرا للتعبير عن غضب القاهرة تجاه ما تقوم به إيران".
"المد الشيعي"
ويربط القيادي في ائتلاف "محبي الصحب والآل" وليد إسماعيل، بين استدعاء رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة من قبل الخارجية المصرية، وبين محاولات المد الشيعي في العديد من المدن المصرية. إسماعيل يقول إن "الائتلاف رصد انتشارا لمحاولات المد الشيعي في العديد من المدن المصرية، ما دفعه لزيادة نشاطه الفكري في مواجهة تلك المحاولات، وخاصة في مدن المنصورة والزقازيق وأسوان، لأنها من أكثر المدن التي توجد بها تجمعات شيعية، ففي حال لم يقتنع الشيعة المصريون بضرورة الحفاظ على مصر، فإننا سنلجأ إلى الجهات الأمنية التي يجب أن تتدخل لمنعهم، خاصة وأن انتشار هذا النوع من التمدد في مصر، سيؤدي إلى انهيار وحدة المجتمع المصري، على غرار ما حدث في العراق وسورية ولبنان".
خريطة الجماعات الإرهابية
المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، اللواء هاني عبداللطيف، بحكم ما يملك من معلومات، يتصور أن "خريطة الجماعات الإرهابية في مصر أصبحت أكثر وضوحا لأجهزة الأمن، حيث تشمل نوعين أساسيين، الأول وهو الجماعات التكفيرية التي تضم عناصر إرهابية شديدة الخطورة، وتم الإعلان عنها بوسائل الإعلام، وهي عناصر سبق لها العمل في أفغانستان والعراق وسورية، حالتها تشبه المرتزقة، لأنه يتم استخدامها في المناطق التي تشهد مخططات وأجندات أجنبية، تحت دعم كامل من أجهزة مخابرات دولية، وتلك العناصر الإرهابية هي المسؤولة بشمل أساسي ومباشر عن تفجيرات مبنى مديرية أمن الدقهلية، ومبنى مديرية أمن القاهرة، ومبنى المخابرات الحربية بالإسماعيلية، وكذلك استهداف ضباط وأفراد الشرطة والقوات المسلحة، بالإضافة إلى القيام بالعمليات الإرهابية في سيناء، وهى التي تم ضبطها في بؤرة عرب شركس الإرهابية بالقليوبية، وبحوزتها أطنان من المواد شديدة الانفجار مثل تي إن تي وسي 4".
عبداللطيف يقول "تلك العناصر الإرهابية تعد الأخطر، حيث يتمثل دورها الأساسي في ارتكاب العمليات الإرهابية الضخمة أو الكبيرة، بمشاركة عناصر "تنظيم الإخوان"، وهو ما حدث في تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية، والذي ثبت من خلال اعترافات أحد المتهمين الموثقة بالصوت والصورة، أنه ينتمي لتنظيم الإخوان، ونجل لأحد قيادات التنظيم بمحافظة الدقهلية، حيث اعترف بتلقيه تدريبات عسكرية في "قطاع غزة" قبل عودته إلى مصر للمشاركة في تنفيذ تلك العملية، وتعمل تلك العناصر الإرهابية تحت غطاء العديد من المسميات المختلفة من حين إلى آخر، مثل جماعة "أنصار بيت المقدس"، و"جماعة الفرقان"، و"جماعة أنصار الشريعة في أرض الكنانة"، و"جماعة أجناد مصر"، لمحاولة التستر والتخفي والإيحاء بوجود كيانات عديدة ضد الدولة المصرية من جانب، وإرباك الأجهزة الأمنية وتشتيت جهودها في عملية البحث من جانب آخر".
وأضاف عبداللطيف أن "النوع الثاني الذي تشمله الخريطة الإرهابية في مصر يتمثل في عناصر "تنظيم الإخوان الشبابية"، فهي المسؤولة بشكل مباشر عن ممارسات العنف داخل الجامعات، ومظاهرات أيام الجمعة، وحرق سيارات ضباط وأفراد الشرطة والقوات المسلحة، وصناعة القنابل المحلية بدائية الصنع، واستخدامها ضد الشرطة خلال المظاهرات أو في القيام بعمليات إرهابية سريعة".
تدمير أجهزة الدولة
مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي، اللواء أشرف عبدالله، يقول إن "هناك خللا معلوماتيا الآن بسبب تدمير جهاز أمن الدولة في أعقاب ثورة 25 يناير لصالح فئة معينة تمارس العنف الآن، ولا بد من صدور قانون الإرهاب ومصادرة أموال "جماعة الإخوان"، التي تستثمر أموالها في قتل الشعب، كما يجب على مؤسسة الأزهر القيام بمسؤوليتها في توعية المواطنين بمبدأ الإسلام الوسطي، حتى يتم إحباط مخطط الجماعات الإرهابية في تضليل الشعب باسم الدين، كما يجب على سائل الإعلام المصرية أن تسهم في نشر ما تم رصده من عنف على مستوى دولي، من أجل فضح إرهاب تلك الجماعات".