في مجتمعنا من لا يرغب في الزواج ويريد استقلاليته وحريته باستمرار ـ لا نكد "حرمة" ولا صراخ "بزر" ـ هو رجل "فيه شيء" أشدها أنه لا يقدر على الزواج؟! أو "به بلى".. وأقلها فقير لا يقدر على فتح بيت؟!

لا ندع أحدا في شأنه، ولا نريد أن تسير الأمور كما يريد أصحابها ما دام أنهم لا يخالفون نظاما، ولا يقفزون فوق حريات أخرى..

لن ندع المطلقة، ولا الموظفة، وذلك الساكن وحده، والمغرد بخيال ورومانسية، لكل منهم لدينا تفسير وتأويل.

أما حينما لا ترغب في إنشاء أسرة، فقد تكون ضد المجتمع، وضد التعاليم والقيم، ولم نسمح لأنفسنا بأن نجد لذلك المسكين عذرا. فقط نضرب إرادته ونغلق فاه بما نريد نحن!

فهو على رأينا "لا يقدر من كل النواحي"، أو حتى من إحدى النواحي الخاصة به. ولا أشد حينما يهاتفك قريبه المقرب: "أقنع خويك بالزواج ترى لك أجر". أقنعه وأنت الذي يسمع منك. وكأن إحباطا سيصيب عائلته الأكبر إن لم يفعل، أو مسا لحيائها وكبريائها بأن أحد أفرادها بات عانسا.

المصيبة الأعظم حينما يتقاذفون الكلمات الجارحة والمعني موجود: "اعرس وعلي الضيفة". ليقفز آخر: "ابجيب لك أحسن فرقة طقاقات" وهو يقصد "سبايسي قيرلز خنشليلة"، وكأن مشكلة عريسنا الرافض هي الذبائح والطقاقات.

ألا يدرك أولئك أن الخصوصية هي حق مشروع للإنسان ما دام أنه لا يمس حريات الآخرين ولا يضرهم، ولا يرتكب منكرا. لكل امرئ اختيار أسلوب حياته ما دام أنه لا ينافي ما ذكرناه، بالحفاظ على كل ما يراه هو مناسبا له ومتعلقا به وحده كمعلوماته الشخصية وطريقته في الحياة، بل وما يفعله في بيته، الزواج والمأكل والمشرب ووقت النوم ووقت الخروج والعمل الذي يرغب. كل ذلك خصوصية من غير اللائق اقتحامها أو التدخل فيها.

الأهم من ذلك أن ديننا الحنيف قد ارتقى بالنفس البشرية، وهذبها وزرع فيها المفاهيم السامية والنبيلة، ورسولنا الكريم حث المسلمين على عدم التدخل في أمور لا تعني الإنسان؛ لأنه قد يقع ضرر على من تدخلنا في حياته وأمور دنياه، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

مجتمعنا الذي بات يستزيد من ثقافة النصائح والتدخل في شؤون الغير؛ يحتاج إلى استعادة ما كان عليه المسلمون الأولون. مع أماني أن يكون هناك تريية منهجية، ومن خلال المدارس لتعلم احترام الخصوصية.

نؤكد ذلك ونحن ندرك صعوبته، خاصة وأننا في حاجة إلى مناهج متكاملة عن احترام الآخر، فكيف باحترام الخصوصية؟!

لماذا لم تتزوج؟ سؤال ساذج أكاد أجزم أنه لا يتردد باندهاش ولقافة، إلا في مجتمعنا!، وكأن الزواج أحد الأركان الخمسة التي يجب القيام بها. احترموا خصوصية الآخرين؛ كي يحترمكم الجميع!