لطالما اتبعت مقولة: لا تحكم حتى تدرس الوضع كاملا وتنتظر حتى تتضح الصورة، ولقد نجحت في الكثير من الأحيان، إن لم يكن أغلبها، في الوقوع في فخ الوقوف مع ما يعرض على وسائل الإعلام على أنه الضحية، حيث اتضح فيما بعد أن الكثير من الحالات اُستخدموا كخندق أو نفق أو غطاء لتمرير الفتن والفوضى.. بل لمرور الشيطان بلباس المخلص!

منذ ثمانية أيام وإلى كتابة هذه المقالة، من يتابع أحداث "فيرجسون"؛ إحدى ضواحي "سانت لويس" بولاية ميزوري، سيضيع ما بين تصريحات الشرطة وتصريحات المتظاهرين، هنالك من سيدعم الشرطة التي تقول إنها تحاول رغم صعوبة الوضع حماية المدنيين وأملاكهم من المخربين واللصوص الذين انتشروا في المدينة الصغيرة، مستغلين حالة الفوضى للتخفي تحت أقنعة الغضب والانتقام لمقتل الشاب الأعزل ذي الأصول الأفريقية الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره على أيدي الشرطة وسط الشارع، والمفجع حقاً أن هؤلاء المخربين يتسللون بين المتظاهرين ويطلقون النار على رجال الأمن بالإضافة إلى أنه تم قذفهم بعدة قنابل "مولوتوف" الحارقة، فهم لا يستطيعون تحديد مكانهم أو سلخهم خارج المجموعات من المتظاهرين الذين حضروا مع أطفالهم للتعبير عن مطالبهم بالعدالة من أجل السلام. والوضع، حسب تعبيرهم، يحتاج الحزم كما يحتاج الحسم. وهنالك من سيدعم المتظاهرين لأنهم أصحاب حق يريدون العدالة في تفعيل التحقيقات الخاصة بمقتل الشاب، يريدون أن يعرفوا ما الذي جرى؛ لماذا قتل ومعاقبة القاتل، وهنا وجب التنويه بأن الغضب تجاوز مقتل الشاب مايكل بروان، بل إنه اتسع ليعبر عن حالات الازدواجية وغير العادلة في التعامل مع ذوي الأصول الأفريقية وذوي الأصول الأوروبية، أي أن هنالك حالات تراكمية من التعديات أوصلت الشارع إلى حالة من الغليان كان بانتظار ما يفجره تماما كانفجار "طنجرة الضغط".

وهذا ما يعيد عقارب الزمن إلى ما عرف بمواجهات بين البيض والسود في فترة الستينات بقيادة الأب مارتن لوثر كينج، وتحت نفس الخلفية التي نراها من أحداث في "فيرجسون"، كل ذلك يعيد إلى الذاكرة أن كل ما ضحى به الأب "كينج" وكل من وقف معه في وجه الظلم خاصة الرئيس الراحل جون كنيدي، على ما يبدو لم يكن كافيا ليمحو الحقد والكراهية من القلوب!

هنالك دائماً من يريد أن يشعل النيران ليستفيد، كالإعلام خاصة تحت بند ارتفاع عدد المشاهدين أو المتابعين، هذا بالإضافة إلى الأجندات للبعض منهم.. وهي معروفة ولا نحتاج لشرحها للمرة الألف بعد المائة، ثم يأتي اللصوص ممن يفضلون انتشار الفوضى للتوسع في السرقات، وهنا أعني لصوص المتاجر والمنازل كما أعني اللصوص الكبار، هذا عدا الاستفادة خلال وبعد الأحداث لشركات الحماية وشركات التأمين، وشركات الأسلحة، ومنظمات المناهضة لبيع السلاح، والباحثين عن الأصوات في الانتخابات القادمة.. إلخ، والمختلين عقليا ممن يريدون أن يظهروا على شاشات الإعلام طالبين الشهرة، وطبعا هنالك من يريد أن يخرج بكتاب أو رواية أو فيلم، ولا ننسى من يريدها أن تكبر كي يقاضي شرطة المدينة أو حتى الولاية ليخرج بمئات الألوف إن لم يكن الملايين.. مورد رزق وانفتح.. بالعامية "مولد وصاحبه غايب"!

نعم سوف يكون دائماً هنالك ضحايا، خاصة من جاء مؤمنا بقضية الحق والعدالة، من جاء مسالما، حسب إيمانه بأن السلمية من جهته تفرض السلمية على من هم حوله! فيأتي بعضهم مسالما برفقة أطفال في وقت متأخر من الليل لمواجهة رجال أمن مدججين بالسلاح والمدرعات وفي حالة تأهب لأي حركة تشكل في عرفهم "خطرا"، حينها سوف تنهمر القنابل المسيلة للدموع وربما الرصاص المطاطي وربما الحي.. الحالة أشبه بساحة حرب! لا نذهب بعيدا، بعض وسائل الإعلام أرسلت مراسلي الحرب لديها لتغطية الحدث!

يؤسفنا حقاً ما يجري، ولا نتمنى الأذى لأي أحد منهم، ولكن السؤال الذي يسأله الكثير: هل تم تقديم النصائح لهم من خارج بلادهم بضبط النفس والتأني للحفاظ على أمن وأمان المدنيين؟ هل انطلقت التصريحات من مسؤولين أو دبلوماسيين تتهم هذه الجهة بالمواجهات أو تلك؟ هل تبرع أحدهم بإرسال معونات للمتظاهرين لمساعدتهم على مواجهة ما يروج على وسائل التواصل الاجتماعي من وحشية رجال الشرطة؟ هل ما يجري هو اعتداء متظاهرين أم احتلال شرطة لمدينة؟ كلها مصطلحات استخدمت من قبل ممثليهم لأحداث تكاد تكون متطابقة في دول عربية وغيرها شرقية وغربية.. سؤالي: هل ردت بضاعتهم إليهم؟! وأعني هنا التدخل كما أعني المصطلحات.