أكتب هذا الأسبوع من أستراليا عن التحديات التي تواجهها وهي تحضر لقمة مجموعة العشرين التي ستعقد هنا في نوفمبر القادم. وتضم المجموعة أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وأستراليا، ومع أنها تأسست في عام 1999، لم تحظ باهتمام يذكر قبل الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عام 2008، حين لجأت الدول الكبرى للمجموعة لإشراك الدول الحديثة النمو في البحث عن حلول للأزمة.
وبدأ رؤساء الدول والحكومات بالاجتماع تحت مظلة مجموعة العشرين خلال الأزمة، فعقدت القمة الأولى في واشنطن في نوفمبر 2008، برئاسة جورج بوش الابن. وفي بدايات الأزمة، كانت قممها تعقد مرتين في العام، بأمل أن تحقق نتائج ملموسة، ولكن تلك الآمال خبت بعد حين، وأصبح البعض يرى أنها أصبحت مجرد ظاهرة صوتية.
ستعقد القمة التاسعة في مدينة (بريزبين) بأستراليا يوم 15 نوفمبر القادم، برئاسة (توني أبوت) رئيس الوزراء الأسترالي الجديد الذي تقلد منصبه في 15 سبتمبر الماضي، بعد فوز تحالف حزبي الوطنيين والأحرار في الانتخابات، ضد حزب العمل اليساري الذي قاد أستراليا خلال أحلك أوقات الأزمة المالية، ولكن انقساماته الداخلية أضعفته.
وستوفر القمة فرصة للقادة الجدد لطرح رؤيتهم حول مستقبل أستراليا، والتساؤلات التي تثار حوله: تمكنت أستراليا حتى الآن من تحقيق نمو اقتصادي مستمر يبلغ في الوقت الحاضر نحو 3% سنويا، على الرغم من الأزمة المالية العالمية. وتتمتع بمعدل بطالة منخض نسبياً 6%، في حين يبلغ دخل الفرد (80,000) دولار، خامس أعلى معدل في العالم. ويشكل قطاع الخدمات ثلثي الاقتصاد، إلا أن معظم نموها وثروتها يعود لقطاع التعدين والخدمات المتعلقة به، خاصة تصدير المعادن إلى الدول الحديثة النمو مثل الصين، الشريك التجاري الأول لأستراليا.
ويعود معظم النمو الاقتصادي حالياً إلى مناطق أستراليا التي تنتج المعادن والمواد الأولية، أي (غرب أستراليا) و(المقاطعة الشمالية)، التي زرتها الأسبوع الماضي، وهما المنطقتان الوحيدتان اللتان تتمتعان بازدهار ملموس. أما المناطق الأخرى، مثل (كوينزلاند)، و(تازمانيا)، و(جنوب أستراليا)، و(جنوب شرقي ويلز)، و(فكتوريا)، فقد عانت الركود الاقتصادي وانخفاض الموارد على مدى العامين الماضيين، واضطر بعضها إلى تخفيض الخدمات الحكومية وتسريح الآلاف من الموظفين.
زاد الاعتماد على تصدير المواد الخام من مصاعب أستراليا فأدى إلى ارتفاع قيمة الدولار الأسترالي، مما أضعف تنافسية السلع الأسترالية وقطاعات الصناعة التحويلية السياحة والصحة والتعليم، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع تكاليف العمالة، إذ يتجاوز الحد الأدنى للأجور (16) دولاراً للساعة، أي ضعف مستوى الولايات المتحدة، وعشرة أضعاف مستوى الصين، وبالمثل لأجور العمال المهرة.
وعلى الرغم من ازدهار تجارة المعادن، يعاني ميزان الحساب الجاري الأسترالي من ضعف مزمن منذ عام 2001، ويتوقع أن يستمر عجزه الذي يبلغ نحو 3-4% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالمثل، فإن الموارد الحكومية مهددة بالانخفاض وعجز الميزانية، ويتخوف الاقتصاديون كذلك من انكشاف النظام البنكي على قطاع العقار، الذي يعاني من تضخم الأسعار بشكل غير صحي.
ويسعى البنك المركزي الأسترالي إلى حل هذه المشاكل بتخفيض أسعار الفائدة، لتحفيز الاستهلاك والاستثمار وزيادة الاقتراض وتنمية قطاع الإسكان وزيادة ثقة المستهلك، ولكن لم ينتج عن ذلك سوى آثار محدودة جداً.
وبلا شك، أمد ازدهار قطاع التعدين أستراليا بسر نموها وثروتها، وفتح البلاد على مصراعيها للطلب غير المحدود على المعادن من قبل الاقتصادات الآسيوية الناشئة، خاصة الصين، ولكنه كذلك ساعد على تغطية التدهور في تنافسية أستراليا عالمياً في القطاعات الأخرى. وكما حدث لمعظم الدول المعتمدة على تصدير المواد الأولية، ذهبت الثروات الجديدة المكتسبة لتمويل الاستهلاك والاستيراد، بدلاً من الاستثمار. ويتساءل الاقتصاديون عما إذا كان لهذه الحال أن تستمر وقتاً طويلاً، خاصة فيما لو انخفض معدل النمو في الصين والهند وبالتالي طلبهما على المعادن الأسترالية.
وقد يسعف الحظ أستراليا، كما فعل سابقاً، وتتمكن من الحفاظ على نمو اقتصادي مستمر على الرغم من تلك الصعوبات. فكما كتب المفكر الأسترالي المشهور (دونالد هورن) في كتابه المعروف (البلد المحظوظ): "أستراليا بلد محظوظ، يديره أناس عاديون أسعفهم ذلك الحظ". وربما كان محافظ البنك المركزي الأسترالي يعكس هذا الشعور حين قال مرة: "دائماً ما يوجه لي هذا السؤال: من أين سيأتي النمو؟ والحقيقة أن هذا النمو يأتي دائماً".
وتشكل التجارة الخارجية أحد مجالات نجاح السياسة الأسترالية، حيث وقعت حكومة (أبوت) مؤخراً اتفاقية للتجارة الحرة مع كوريا، وقاربت على توقيع اتفاقية مماثلة مع اليابان، كما أنها شريك فاعل في مشروع "الشراكة عبر المحيط الهادي"، الذي يضم في عضويته الولايات المتحدة واليابان وعشر دول أخرى، ويهدف إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثمار على ضفتي المحيط.
قال رئيس الوزراء الأسترالي إن مجموعة العشرين يجب أن يكون لها "تأثير عملي على الاقتصاد العالمي". ولهذا بدأت استعدادات أستراليا للقمة منذ عام مضى، وأسهمت الحكومة في تأسيس "مركز دراسات مجموعة العشرين"، في (معهد لاوي للسياسة الدولية) في سيدني، الذي شرفني بالدعوة للحديث أمامه عن العلاقات الخليجية-الأسترالية العام الماضي. ويرأس المركز الجديد (مايك كالاهان)، الذي يرى أن نجاح قمة العشرين سيكون مربوطاً بمدى قربها من القضايا التي تهم الناس. ويمكن لأستراليا أن تحقق ذلك إذا استطاعت أن تقترح مقاربات جديدة للمهمة الرئيسة لمجموعة العشرين، أي لأفضل السبل لتحقيق نمو اقتصادي مستمر على المستوى العالمي، بدءاً من أستراليا.
ومن وجهة نظر دول الخليج، التي ما زالت تعتمد على تصدير المواد الأولية، فإن مقاربات أستراليا في مسألة تنويع مصادر الدخل والهيكل الاقتصادي سيكون لها صدى ملموس، حيث استعصى على تلك الدول، كما استعصى على أستراليا، تحقيق تنوع حقيقي في مصادر الدخل والنمو الاقتصادي، على الرغم من جهودها الكبيرة لتحقيق ذلك.