في ذات الزمان، وفي غير المكان يحدث الانشقاق، ونقرأ عن التحزبات وتقسيمات البشر جغرافيا ودينيا وعقائديا، بينما نحن هنا في ليلة ألمعية في نادينا العريق. استطاع قنديلها الكبير أن يرشدنا إلى مفاعل، لكنه ليس نوويا، بل جاذبا اسمه: الوسطية والحب. استطاع من خلاله الصعود إلى منبرالمجد، في توازن وثقل. أخبرنا شيخنا أن ربط مشرق الأرض بمغربها لا يكلف سوى حجاج طلق، وسماحة خلق، ونفس راضية عن ذاتها أو?، ثم معترفة بأن الاعتراف بالمحيط وتقبله على ما هو عليه واجب أخلاقي وثقافي وديني.
شيخنا عاش لحظات الحب ودونها واعترف بها، فاعترف به، ولم ينكر؛ لأنه لم ينكر ذاته، ويرتدي عباءة لا تلائمه!. اعترف به شيخا وعالما وعاشقا وأخا وابن قبيلة، يبنيها ويسعى لكمالها، ويسد ثغراتها لتظهر بالصورة اللائقة المشرفة.
شيخنا لم يرض أن يشيح بوجهه عن فئة من أجل أخرى، بل كان يجمعهم تحت جناح الحكمة والروية وا?دارة الناجحة.
ليلة كاد البدر أن ينزاح ليحل زاهرنا بديلا عنه. حوله أبناؤه الأوفياء الذين عملوا برا به وعرفانا بفضائله.
زاهر بن عواض الألمعي، بدأت حياته حراثا فجنديا فأستاذ كرسي، وبقي حتى هذه اللحظة تتوالى ا?نجازات معه في صمت، ? يكاد أن ينهي عملا حتى يبدأ في ا?خر، بعيدا عن الالتفات إلى الخلف، والوقوف عند إنجازات ا?خرين معرقلا إياها. لم يعبه الاعتراف با?خر، والوقوف إلى جانبه، حتى صنع أمة بهذا العطاء اللا متناهي.
ليت شيخنا زاهر يحدث مدرسة يسميها: "مفاعل وسطي" نلتف نحن قومه حوله، يعلمنا ا?نصاف وحب ا?خرين، والانسياق وراء قيمنا وشيمنا. مهما علونا نتذكر أننا جسد وكيان واحد، ما كان الذين يسعون إلى شطره بقادرين على هذا ما دمنا تعلمنا ووقفنا على عتبة أمثال هذه المدرسة، وتعلمنا فواتح الحب وخواتم الشيم التي ما كانت يوما تفضي إلى نزاع وفرقة مهما كان الاختلاف.
ليت شيخنا يعلمنا كيف كان راكضا في كل مناكب الأرض، ليس لذاته بل لبلده وقومه ووطنه، وكان ينتهي يومه قرير العين لا ينتظر ثناء ولا شكورا، لذلك استمر ويستمر ما دام لم يقف ينتظر رغيفا من بين يدي رفاقه ومحبيه.
كان شيخنا يكافئ نفسه بسلسبيل شعره وحروفه المشتهاة، فلا يشاطره فيها سوى من يستقر على ضفاف الحب، وينعم بمثل هذه العذوبة:
تسارت إلى نفسي النهى والبشائر
وطافت بآفاقي بدور سوافر
وأيقنت أني والحبيب سنلتقي
خواطرنا ما لاح للحب خاطر
وتلك هي النعمى، قلوب تآلفت
وعمر بصدق الود ما امتد عامر
تذكرت أيام الصبا في ربوعنا
تحن لها نفس وتهفو ضمائر