أن يفتخر إنسان بقدرته أو قدرة أبنائه على الحديث باللغة الإنجليزية فهذا شأنه وحده، أما أن يستمتع ويتضاحك على ركاكة حديث أبنائه بلغتهم الأم، فتلك -تالله- مصيبة كبيرة.
للأسف يؤمن البعض بأن إحدى أولى خطوات التقدم تكون بتعلم لغة أجنبية، وبالطبع هي اللغة الإنجليزية في وقتنا الحاضر، ولكن هذا – وإن سلمنا به - يجب ألا يكون مقروناً بضرورة جعلها اللغة الأولى لأبنائنا على حساب لغتنا الأم! ولست هنا أدافع عن لغة القرآن الكريم أو لسان أجدادنا، أو غير ذلك من مميزات لغتنا العظيمة، ولكنني هنا أنطلق من بعد تربوي ومبدأ حضاري، فلقد ثبت علمياً أن التركيز على اللغة الأم أولاً يساعد الطفل على بناء فضاء لغوي ثري في بدايات تشكيل معجمه اللغوي، ليستطيع التعبير والتواصل السهل مع والديه ومحيطه الاجتماعي، أما تعليم لغتين أو أكثر في السنوات الأولى؛ فيجعل الطفل غير مدرك لتمايز المفردات، وغير قادر على الاستعمال الدقيق للجمل، وبالتالي يفقد الطفل فرصة البناء اللغوي المنهجي في بدايات غرسه.
أما الأسوأ من ذلك فهو اعتقاد آخرين أن اللغة الأجنبية من مستلزمات الوجاهة الاجتماعية و"الإتكيت"، ولك أن تتصور حديثا عابرا بين هؤلاء لتجده خليطا غير متجانس من المفردات الكسيحة، سواء العربية منها أو الإنجليزية، وإن شئت بعض الفليبينية أو السيلانية! عطفاً على اعتمادهم على الخادمات في تعليم أبنائهم لغة إنجليزية ركيكة ثم إلحاق فلذات أكبادهم بمدارس لا تعترف بلغة الضاد أبداً!
للأسف هُزم البعض حضاريا؛ فاعتقد أن الاهتمام بلغة الغرب قد يبلغه ما لم يصله هو بعمله، وهنا مكمن الخلل وضياع البوصلة، فإتقان اللغة الأم هو أساس انطلاق أي مجتمع نحو التقدم المستدام، ومتى ما فقد المجتمع لغته فهو على طريق فقد أشياء كثيرة منه.