تشعرك بعض المدن وأنت تجول شوارعها بأنك تتصفح كتاب تاريخ مفتوحا أو موسوعة من موسوعات الفن والثقافة والموسيقى، أو أنك أضعت الطريق فيها نحو متحف بانورامي ممتد الجغرافيا. هكذا يكتشف كثير ممن يجدون الطريق نحو العاصمة التشيكية براغ والتي تعد واحدة من أكثر عواصم العالم احتفاء بالتاريخ والفن والموسيقى كما تؤكد معالمها وحكاية الإنسان فيها.

براغ أو "براها" كما يطلق عليها أبناء تلك البلاد غنية بالكنوز التاريخية الناطقة بالدرجة التي تكفيك حتى عن تصفح عشرات الموسوعات، وقد تتبدد الشكوك حول قيمة تلك المدينة التاريخية حين تفصح لك الحفريات كما يؤكد عدد من مؤرخي التشيك وحتى عدد من الرحالة العرب الذين زاروها أن الحياة كانت موجودة فيها قبل 25 ألف سنة.

ولم تكن براغ بخيلة حين اتسعت رئتها لجميع الثقافات الشرقية والغربية وحتى الأفريقية من حولها وقد جمعت في متاحفها ومجسماتها بين شخصيات سياسية وفكرية مثل هتلر وغاندي والدلاي لاما إلى جانب موسليني واختارت لشوارعها إلى جانب حكامها المتعاقبين أسماء عدد واسع من المبدعين أمثال بيتهوفن وموتزارت وكافكا وغيرهم.

للمدن هويتها التي ترتبط بإنسانها.. وإذا ما استطعنا فهم تلك العلاقة المتشابكة تمكنا من الحصول على قراءة تاريخية وحضارية معمقة تكشف عن قصة إنسانها ومعالمها.

في براغ فرصة للمعماري، والفنان، والموسيقي، والتشكيلي لأن يجد ضالته حيث يحضر الفن في كل مكان.. ولطالما تجد أبناء تلك البلاد يقيمون خصوصا في المواسم التي يعتدل فيها الجو عددا من المناسبات الوطنية والأعياد، إضافة إلى احتفالاتهم الخاصة، وإذا وقفت مثلا في أي زاوية من زوايا الشارع الممتد عبر المتحف الوطني تجد المواكب والمسيرات تمر أمامك وهي تستعرض ملامح فنون التشيكيين الشعبية ويبدو المشهد أشبه بمسرح شعبي مفتوح أمامك لا تحتاج أن تدفع له تذكرة دخول سوى أن تترك لعينيك وقلبك فرصة تذوق تلك الفنون والأزياء التي يرتديها العارضون.

قد لا يكفي أسبوع للوقوف على ملامح البراغيين ومدينتهم ولكنه مع كل ذلك الزخم يعطيك انطباعا عن أصالة وفرادة تاريخهم واحترامهم لكل ما يتعلق به حتى ما خلفته تركة من جرعهم الويلات ممن استولى على بلادهم لقرون كما فعل النمساويون.

أتصور أن من بين المدن من تقبل عليك بكل شيء بمجرد أن تطأ أقدامك أرضها وبراغ واحدة من تلك المدن التي تمد إليك ذراعها لتحتضن عبق الثقافة الإنسانية بكل أبعادها.