تقول التشنيعة التي تم تداولها عبر الوسائط: في اليابان الخروج من الحمام بالبصمة، فإذا كان الحمام نظيفا يفتح لك الباب، أما إن كان وسخا فلازم ترجع تنظفه، ثم تكمل النكتة هكذا: "لو هالنظام عندنا كان نصف الشعب مسجون بالحمام".

بصراحة ضحكت حتى بانت نواجذي، وافترت ثغور النواعم، وخشش "جمع خشة" الخواشن الذين قرأت عليهم تلك المعلومة.

وبغض النظر عن مدى صدق هذه المعلومة "مع أن اليابانيين يحرون بها"، إلا أن الصدق هنا يكمن في المبني للمعلوم، وأن الذي لا شك فيه أن هذه "التشنيعة" تتلبسنا لو طبق لدينا هذا النظام الغريب. إننا نعرف عيوبنا الساطعة التي لا تنسجم إطلاقا مع مقتضيات التمدن والأخذ بأسباب الحضارة الحديثة، ويتضح ذلك جليا في استخدام الحمامات العامة، وكذلك التعسف في استخدام الطرق والسيارات حتى صارت خطرا محدقا والأكيد أن السعودي من أكثر العرب هجرة وسفرا ـ ليس للعمل ـ ولكن للتسلية والترفيه، وتأمل ما لدى "الآخر" من تسهيلات وخدمات، تسهم في سعادة البشر.

ويدرك السعودي الذي يسافر في كل الاتجاهات وفي كل المواسم، أن هذه الحياة المتيسرة إنما وصلت إلى هذا الحد بسبب تطبيق النظام والقانون الذي يحفظ حقوق الفرد أمام غيره، كما يحفظ حقوق الآخرين أمام أي انتهاك أو اختراق، إضافة إلى احترام حذافير ومواد النظام الذي توافق عليه الناس هناك وارتضوه وطبقوه عدلا بين الجميع دون أي امتيازات أو محسوبيات أو واسطة لأحد دون الآخر، فلا كبير، ولا وجيه، ولا نفعي أمام النظام على أننا مع سفراتنا المتوالية وهجراتنا المتتابعة نعود إلى وطننا، ثم نعود نمارس مسيرتنا الأولى من كسر الأنظمة والتمييز، ثم نتلاوم حين نثني ونمدح الآخر، وما شاهدناه عندهم من خدمات متيسرة، وانضباط في التعاطي معها، ونتحسر على ما عندهم، وما ليس عندنا، ويشترك في هذا التلاوم والتحسر المسؤول الكبير والموظف الصغير وصاحب الصلاحية وسادن القرار وحارس النظام، وهكذا يتعاطى الجميع بسلبية غير المبالي، ويتساوى في ذلك المتعلم والجاهل، والذي سافر ورأى والذي سمع أو قرأ.

لطالما فكرت في المردود الحضاري الذي سيجنيه الوطن من قوافل المبتعثين إلى أرقى بلاد العالم: أميركا وكندا وأستراليا وأوروبا واليابان والصين.

وأخشى أن أقول: إنني أشك في جدوى المردود؛ لأنني ألاحظ أننا نسافر ونحزم عاداتنا السلبية مع حقائبنا وعفشنا لتكون هذه السلبيات أنيسنا في الغربة!

وكيف يكون المردود إيجابيا ما لم يتم تفعيل المكتسبات التي نعود بها من هناك ،ثم لا نراها تطبق هنا أو نراها مشرعة في النظام ولكنها تخترق؟

في الثمانينات كانت هناك بعثات طلابية كبيرة، ولو على نحو أقل من الآن، وقد عاد مبتعثو تلك الفترة ثم انخرطوا في تروس العجلة الاجتماعية الكبرى، التي طحنتهم ثم دجنتهم فعادوا كما كانوا، ولم يستفد منهم الوطن كما كان مؤملا، وهذا ما أخشاه حاليا على برنامج خادم الحرمين الشريفين الطموح للمبتعثين.

أرجو أن أكون مخطئا، وأرجو أن نتواصى على تفعيل الأنظمة لتتساوى أمامها جميع القامات، وأن نتخلى عن السلبية التي ربت في نفوسنا حالة من الأنانية الذاتية الفردية، التي شعارها: أنا ومن بعدي الطوفان.