شهد الأسبوع الماضي يوما وطنيا بهيجا، حيث احتفلت وزارة التعليم العالي ـ ممثلة في الملحقية الثقافية السعودية في أستراليا ـ بتخرج أكثر من 1600 طالب سعودي ـ من الجنسين ـ ضمن "برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي"، في مدينة "بريزبن" عاصمة ولاية كوينزلاند الأسترالية.
ولم يكن هذا الاحتفال إلا إعلانا جديدا في ارتفاع مؤشر التنمية البشرية والتطور الاجتماعي للمملكة العربية السعودية، من خلال المبتعثين إلى "الغرب" بمفهومه العلمي والثقافي والحضاري، أكثر من المفهوم الجغرافي له، إذ سيعود خريجو هذا البرنامج/الحلم مسلحين بالعلم لخدمة وطنهم في مواقع أكاديمية وعلمية واجتماعية عميقة، تنافست الجامعات وبعض المؤسسات السعودية في استقطاب تلك الكفاءات إليها.
ولهذا يجوز لنا أن نعد "برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي" أحد أهم ملامح المرحلة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، وقد استطاعت وزارة التعليم العالي بلورة هذا البرنامج وترجمته إلى ثروة وطنية شعارها "صُنع في السعودية"، في ظل متابعة وجهود ملموسة لتحقيق النجاح لهذا البرنامج بقيادة أحد أهم خبراء التعليم العالي وهو معالي الدكتور خالد العنقري، حيث يحسب لوزارة التعليم العالي نجاحها في إدارة شؤون مئات الآلاف من الطلاب السعوديين، من خلال ملحقياتها الثقافية المنتشرة في بقاع مختلفة من العالم؛ لمتابعة المبتعثين وتسهيل أمورهم؛ مما يجعل النجاح في النهاية جماعيا لا فرديا، بل يشبه قبلة حُب على جبين الوطن.
وحين نرى اليوم أبناءنا يلوحون بقبعات التخرج لذويهم وأقاربهم ومواطنيهم من مكان قصي في هذا العالم؛ فإن كل قطرة عرق أفرزتها أجسادهم، وكل دمعة معاناة ذرفتها عيونهم تتحول إلى ماء نقي يصب في أرض خصبة لتنبت الثمرات الطيبة فيحصدها الوطن والمجتمع، وهذا ما يجعل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي منتصبا كالجبال عندما تحاول بعض "الأصوات النشاز" النيل منه، من خلال المبتعثين والمبتعثات وأسرهم بطريقة أو بأخرى، لن تسمع هذه الأصوات سوى رجع صداها حين تسير القافلة ويتبدد الصدى!
يعد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، لو يفقه القوم، ثروتنا التي أوفدت إلى الغرب لتنمو وتكتمل وتكسب الخبرات، فتعود حاملة كل المكتسبات لتباشر بناء حاضر الوطن ومستقبله، فهو فرصة كبيرة للطلاب والطالبات السعوديين المبتعثين لينهلوا من علم "الغرب" من جهة، والاحتكاك بثقافاته المختلفة من جهة أخرى، فيعودوا أكثر وعيا وعمقا واستقرارا، ليبدؤوا مسيرة البناء بعلم تعلموه ووعي اكتسبوه، وقيم ثقافية وإنسانية تمسكوا بها.
نحن غالبا ما نفاخر بالمبدعين من أبناء وطننا الذين صنعوا لهم ولنا مسلكا متميزا في مسيرتهم الوطنية والإنسانية؛ ولهذا ما زال الوطن يفتخر وهو يتذكر أسماء مهمة في مجال الابتعاث، لم يزدهم الابتعاث إلا علما وإصرارا على بناء وطنهم، ومن تلك الأسماء المعروفة التي لا قد لا يغيب ذكرها: الوزير الراحل عبدالله الطريقي، وهو أول مبتعث سعودي إلى الولايات المتحدة، وآخر لا يقل عنه شأنا وهو الوزير الراحل عبدالعزيز الخويطر، أول مبتعث سعودي يحصل على درجة الدكتوراه.
لقد قدما ـ رحمهما الله ـ للوطن زهرتي عمرهما، ولم يبخلا عليه بشيء، فما الشيء المؤسف أو المزعج حين يكون لدينا الآلاف من نموذجي الطريقي والخويطر وغيرهما؟!
إن ما يميز برنامج الابتعاث، هو أنه استثمار طويل الأجل، ليس استثمارا لسلعة أو أسهم أو عقار، بل شأنه أعلى وأكثر قيمة؛ لأنه استثمار في الإنسان السعودي وله، أي لنا وللمستقبل، وهذا ما يعد أهم ملامح "طفرتنا" النفطية الثانية، فالجامعات والمؤسسات الأكاديمية المتعددة المنشأة حديثا في حاجة إلى كفاءات تسد الحاجة، وليس كسواعد أبناء الوطن من يبنيه. و"إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين".