أنـا أحـبـك يـا سـيـفــاً أسـال دمــى

يـا قـصـة لـسـت أدرى … ما أسميها؟!

"نزار قباني"

نعيش في زمن سريع التحولات ومتتابع الأحداث، فمن كان رئيسا لعقود أصبح يسمى الرئيس السابق، ولم تطو صفحته بعد، وما كانت حدود دولة لها سيادة أصبحت حدودا مستباحة؛ وارتبط العرب بتركيا من جهة وبإيران من جهات، وما كان خفيا أصبح معلنا والعكس أيضا صحيح!

واليهود يختبرون ردود فعل العرب ليتأكدوا من أنهم ما زالوا يشجبون ويستنكرون، بينما هم مشغولون بما أصابهم أو يكاد.

المصالح السياسية والاقتصادية لدولة أو حتى لمجموعة من الأشخاص هي التي تحكم موقفا أو توجها للشرق أو للغرب. كثير من الصور التي تدين طائفة من الطوائف يثبت كذبها؛ والجهاد عبر مواقع التواصل والتعصب لتوجه أو طائفة ما على أشده!

شعوب تهدر دماؤها ودماء الأطفال وضعفاء ومسالمين، ويهب الظلام لنصرة الظالم والدفاع عن حقه المشروع في الظلم؛ فالظالم يعيش أو يموت ومبجلوه يعلو صوتهم مع الوقت ويخفت صوت منتقديه!

الوضع شديد التحول وشديد الغموض فلا يمكن توقع التالي؛ وفي وسط العتمة ومثار نقع الحروب المتلاحقة والنازفة من مواضع كثيرة ترتفع علامات تعجب وعشرات من علامات الاستفهام تتجاوز المكان باحثة عن بقعة آمنة فلا تكاد تجد؛ ومتسائلة عن زمن ماض بدأت فيه شرارة كل هذه التداعيات وزمن مستقبل تأمل أن تنتهي فتعجز عن الجواب!

وتعود للتاريخ تستدعي شخوصه وأبطاله وما قيل عنهم في أخلاق الحرب وهل جزوا الرقاب أم لا؟!

فكرة الموت لأجل أن توهب الحياة وفكرة الجهاد والجنة والحور العين اختلطت في العقول فتحول نسف النفس والمسلمين المسالمين إلى بطولة، وأصبح القاتل يتحرى الرقاب التي يقطعها كما تتحرى أطيب الذبائح في العيد والعياذ بالله.

مات الشعراء واقتلعت حناجر من تبقى منهم فلم يعد للمعتصم نخوة تغني أبا ريشة كما لم يعد الصدى يرجع للسياب، ولا وضاح يحدث عن صنعاء، ولا أمل لدنقل ولم يجد غازي راية لمعركته!

مزقت الموشحات الأندلسية لحساب رباعيات الخيام! ومن بدأ المأساة لا يريد أن ينهيها وتتناثر أجوبة تقول: إنها الفوضى الخلاقة لعبة أميركية الصنع لا تباع في متاجرها الإلكترونية بل على الأرض، فمن يقتل أكثر يفوز بالنهاية كما كان راعي البقر يفعل في الأفلام القديمة عندما أباد آخر الهنود الحمر من المقاتلين، وهناك من يرى أن كل الصراع من محاولة إيران السيطرة على أرض العرب لتعود مملكة كسرى بعد أن غلبت الروم في العراق؛ وهناك الخبير الذي يقول إن من كره الحياة على الأرض سيتبنى ثقافة الموت ويظنها ناجحة.

شتان بين من يحارب للدفاع عن أرضه ونفسه ويرفع الظلم عنها وبين قاتل موتور بحب القتل، ولكن الحروب لا تعرف نوايا المحاربين!

توافرت كل العوامل السابقة وغيرها كثير من فقر الوعي لسهولة انقياد شبابنا لتجار الحرب بحجة إقامة دولة للإسلام بين المسلمين وكأن كل حكوماتهم لا تحكم به!

فيما بقي من المقال بودي أن أقف أمام مشكلة هذا الشباب وأذكر اندفاع آبائهم في حروب أفغانستان والشيشان وغيرها، فروح المسلم رخيصة لنصرة المسلمين، لكن ما حدث أنه بمجرد انتهاء الحرب مع غير المسلمين دارت حروب وصراعات مشابهة لما يحدث في زمننا، كل طرف يرى نفسه هو صاحب راية الحق وبهت الذين آمنوا بالجهاد ولأنهم خدعوا استمر بعضهم في خداع نفسه ومن حوله.

وسط الأصوات صوت مكتوم لا يكاد يخرج من شدة الألم والذهول؛ تخيلوا أن ينام أب وأم وفي الصباح يبحثون عن ولدهم النائم في فراشه فلا يجدون إلا رسالة تؤكد أنه لاحق بالجهاد، ثم تتصدر أخبار نفيره الصحف فيحل الليل والظلام ولا يرحل، ويصبح كل من عرفوا هذا الشاب في مرحلة بين التصديق والتكذيب وتكثر التكهنات ولا يعرف أهي مجرد دعابة أم أنه لحق بالراية السوداء.

يكثر الحديث عنه وتقرأ الأم من يتمنى موت فلذة كبدها وينتظر الأب اتصالا يخبره بعودة ابنه ويخشى من اتصال يخبره أن ولده أصبح في عداد القتلى.

أنهكت الحروب قلوب ذوي المقاتلين عندنا، فالقتل بين السعوديين هو الأكثر كما يؤكد بعض المطلعين على الحروب الطاحنة في العراق والشام.

ما يحدث ليس انتحارا ناتجا عن لحظة اكتئاب عابرة، بل هو استسلام لدعاية وأجندة أكبر من الشباب وأسرهم وتعمل لمصالح أشخاص يجلسون في الظل ومحرضين ومفتين للحرب لا يقاربونها إلا بالكلام ليفتحوا الباب للشباب ويقولوا اذهبوا وقاتلوا إنا ها هنا قاعدون لأن علمنا ومعرفتنا أثمن من أن يموتا!

يجب في النهاية أن نجيب على سؤال: لماذا يستمر التحاق الشاب السعودي بأرض الصراع وقد يباع بثمن بخس أو يقتل لو قرر التراجع عن الحرب، ثم يعلن قاتله أنه شهيد ليحصل على ضحية أخرى؟!

فكروا: من حوّل الوطن لانتظار إجازة واحتفال عابر وحوّل الموت خارجه لمطلب شباب لم يعد يريد الحياة؟!