على الرغم من المستجدات التي تدور في أروقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أخيراً والتي ألقت بظلالها على كثير من توافق الآراء تجاه العديد من القضايا، إلا أن علاقات تجارية واستثمارية دولية ما زالت تجمع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تُخضع الدول الست حالياً اتفاقية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني بينها والولايات المتحدة الأميركية للدراسة والبحث، بشكل يتماشى مع مساعي الدول الخليجية في الفترة الراهنة لقيام وحدة اقتصادية ونقدية بينها.
وتسعى الاتفاقية التي تخضعها دول المجلس للدراسة بما يتوافق مع أنظمتها، إلى تنظيم العلاقة بين دول المجلس والولايات المتحدة الأميركية بشكل يفتح مجالات للتعاون الخليجي المشترك مع الجانب الأميركي، بما يهيئ لقيام سوق حرة بين الجانبين، وذلك انطلاقاً من رغبة الطرفين في تطوير وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني.
وتتضمن الاتفاقية التي حصلت "الوطن" على نسخة منها، 11 مادة، تهدف إلى تعزيز التعاون وتشجيع تبادل المعلومات والخبرات بين الجانبين، بينما تؤكد المادة الثانية على توسيع وتحرير علاقات الجانبين التجارية، بما في ذلك خفض أو إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية في وجه التبادل التجاري والاستثماري.
وفصلت المادة الثالثة من الاتفاقية مجالات الفرص الممكنة لتوسيع التبادل التجاري ما بين الطرفين الخليجي والأميركي، وتكشف تلك المجالات بحث سبل النشر والتعريف بالقوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار لدى الطرفين، وتشجيع اتصالات قطاع الأعمال، خاصة بين المؤسسات والهيئات المعنية بالتجارة والاستثمار، وبحث الوسائل الكفيلة بتعزيز بيئة مناسبة للتجارة الدولية والاستثمار، بما في ذلك تعزيز سيادة القانون وتوفير الشفافية ومؤسسات عامة خالية من الفساد، والنظر في عقد مناقشات استطلاعية حول الشروط اللازمة للتخفيض أو إزالة الحواجز التجارية والاستثمارية بينهما، وتسهيل التبادل العلمي والأكاديمي في المجالات الاقتصادية، والشراكات بين القطاع الخاص والفرص الملائمة للنقل الطوعي للتقنية، فيما نصت المادة الرابعة على قيام الطرفين ببحث الفرص الممكنة لتسهيل وترويج الاستثمارات الدولية في شتى القطاعات الاقتصادية، بما فيها السلع والخدمات بهدف تطوير التقنية وإيجاد الوظائف وزيادة النمو في اقتصادهما.
وتؤسس الاتفاقية لجنة مشتركة ما بين الجانبين الخليجي والأميركي، على أن تجتمع بشكل منتظم أو عند الحاجة، وتكون مهامها بحث وإقرار التوصيات الكفيلة بتعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني، وبحث الفرص الممكنة لتشجيع الاستثمارات وحل المسائل المتعلقة بالاستثمار والتجارة. وأكدت الاتفاقية على تشجيع تبادل الممثلين والبعثات الاقتصادية والتجارية والفنية.
غير أن مقدمة الاتفاقية التي تعد جزءاً ملزماً منها، واجهت تحفظاً تاماً من قبل بعض الدول الاعضاء بمجلس التعاون، لا سيما المملكة، فيما تضمنته من نص متشدد يربط تحقق هذه الاتفاقية بالوفاء بها والذي يشير إلى ضرورة أن على عاتق الدول الأطراف حماية حقوق العمل الأساسية المعترف بها دولياً والواردة في إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية للعمال لعام 1998، وربط تنفيذ الاتفاقية بها، بحيث يلزم ذلك دول المجلس التطبيق الفعلي لتلك القوانين والأنظمة بشكل صارم، وهو ما يتعارض مع ما صادقت عليه المملكة مسبقاً بشأن الاتفاقيات التي أبرمتها في إطار منظمة العمل الدولية والتي تحفظت في حينها على بعض منها، خاصة ما يتعلق بالحرية النقابية.
إلا أن الاتفاقية تجيز ضمن بنودها الأخرى تعديل النصوص الواردة فيها، شريطة موافقة الطرفين الدول الخليجية والولايات المتحدة الأميركية.
في حين شددت الاتفاقية على أنها وأي إجراءات تتخذ بموجبها لا تؤثر بأي حال من الأحوال على سلطة الدول الأعضاء في مجلس التعاون للقيام فردياً بأنشطة ثنائية مستقلة مع الولايات المتحدة الأميركية، مؤكدة على أهمية تشاور الطرفين حول تنفيذ أحكامها بهدف التوصل إلى حل ودي لأي قضايا قد تطرأ.
وكانت مسودة هذه الاتفاقية قد وقعت في نيويورك سبتمبر 2012.
وتأتي هذه الاتفاقية في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى تعثر المفاوضات القائمة بين الجانب الخليجي والاتحاد الأوروبي بشأن إنشاء سوق حرة بين الطرفين، حيث سعى الأخير إلى جذب الاهتمام الخليجي تجارياً واستثمارياً إلا أن تلك المفاوضات ما زالت عالقة.