توفي العلم (المجهول)، صالح الزير، مساء ما قبل البارحة، ودفن أمس جسدا بلا أطراف بعد أن بترت رجلاه من قبل. كان قدره أن يرحل من حياتنا على فترات بعيدة وفي قبور مختلفة، فمن هو صالح الزير؟

هو مع قلة أقل من أصابع اليد الواحدة من رواد صناعة المسرح السعودي، وتاريخه الإبداعي يصلح مثالا لتحولات المجتمع السعودي ضد الإبداع وعداء الفنون المسرحية والدرامية. كان صالح الزير أول من كتب وأخرج مسرحية سعودية مكتملة، وللمفارقة، كانت تعرض على المسرح المباشر أسبوعيا، ولكم أن تعلموا للدهشة أين كانت؟ كانت هذه المسرحية تعرض تكرارا على مسرح المعهد العلمي بقلب الرياض، والفكرة بحد ذاتها والمكان قصة مدهشة لتحولات المجتمع السعودي.

مع نفر قليل من زملائه كتب وأخرج صالح الزير أول مسرحية، وبنى أول مسرح جامعي حقيقي في قلب جامعة الملك سعود، وتحت إشرافه ومن بين يديه خرج ناصر القصبي وعبدالله السدحان عندما كانا طالبين في نفس الجامعة. كان صالح الزير ـ يرحمه الله ـ أول فنان سعودي حقيقي يقتحم حياة القاهرة الفنية والمسرحية يوم كانت القاهرة عاصمة الفن الوحيدة في عالمنا العربي، ومن هناك كتب وأنتج كثيرا من المسرحيات والمسلسلات الإذاعية التي عاشت عليها نواة الإذاعة السعودية.

كان صالح الزير، رصينا هادئا، لم يلجأ إلى الإسفاف ونسف الثوابت الاجتماعية والقيمية في عوالم الفن، ولم يستغل موهبته الاستثنائية في الانتفاع والاستفزاز المجتمعي. كان الفن لدى صالح الزير قيمة إبداعية بنائية. تركنا صالح الزير لتلتحق بقايا جسده ببقية القبور السابقة التي رحلت مبكرا من ذات الجسد الهزيل النحيل. تركنا وهو بالكاد يلملم بقايا أسرته في مسكن بسيط على أطراف حي شعبي بمدينة الرياض، فيما تلامذته يتسابقون إلى عقود الملايين. عاش في زمن كان له، وتركنا في أزمان لا تتصالح مع مبادئه وقيمه الإنسانية. رحمه الله.