من أسوأ الأمور لدى المبدع أن ينحدر بكثير من تفاصيل حياته إلى الدرك الأسفل من الانحطاط الخلقي، ويتخلى عن القيم البشرية السامية ليتبنى نقيضها، ولعل التشكيلي الإسباني وأحد رموز الحركة السريالية "سلفادور دالي" مثال واضح على ذلك، بغض النظر عن قدرته الفنية الفذة وتقديمه أعمالا تشكيلية دخلت التاريخ.
ونحن نعيش زمن الثورات العربية ومواقف المثقفين والفنانين خلالها من الأنظمة، نتذكر أن دالي "1904 – 1989" كان من أبرز مؤيدي الدكتاتور الإسباني فرانكو "1892 – 1975" الزعيم الألماني هتلر "1889 – 1945"، ولديه الكثير من اللوحات التي تقف ضد ثورات الشعوب وتؤيد الفاشية والنازية، ومواقفه تلك كانت السبب الرئيس لاتخاذ أندريه بريتون قرارا بطرده من الحركة السريالية عام 1934، إذ إن السريالية لا تعني التخلي عن الأخلاق، وبرغم ذلك تابع دالي رسوماته السريالية بعد أن رد بغرور وعنجهية على بريتون بالقول: "ليس بإمكانك طردي فالسريالية هي أنا".
غرور دالي لم يكن يقف عند حد، للدرجة التي أطلق فيها على نفسه اسم "العبقري"، والغريب أن ثمة رابط لدى دالي وأشكاله بين العبقرية والشذوذ الجنسي، وهذا ما تحدث عنه الكاتب والمؤرخ الأيرلندي "أيان جبسون" المتخصص في سيرة وشعر ومسرح "لوركا" بقوله: "إن دالي يتداعى أمام ذكرى لوركا الذي ارتبط معه في بداية العشرينات بعلاقة حب غريبة حينها، ولكي يهدم هذه الذكرى ارتبط بعلاقة حب مع غالا زوجة بول إيلوار وتزوجها".
وبول إيلوار واحد من أعز أصدقاء دالي، غير أن وضاعة أخلاق دالي قادته لأن يسرق زوجته غالا منه، وحين اكتشف "الدولارات" في أميركا نسي كل زمنه السابق والأصدقاء الذين أسهموا في رفعه وشهرته، ويروى أن صحفيا بارزا طلب مقابلة دالي فوافق هذا الأخير بعد مدة مشترطا أن يأتي إليه الصحفي زاحفا، منحدرا بذلك أكثر بمستواه الأخلاقي.
من العار على فنان مبدع أن يؤيد إبادة الشعوب، ولكن هذا ما فعله دالي، إذ يقول المهندس التشكيلي ماهر حميد: "لم تعط العبقرية والشهرة سلفادور دالي حصانة من ألا يكون طائفيا وعنصريا، ففي حين رسم إبادة الهنود الحمر على أنها عمل رباني بلوحته عن كولومبوس وزينها بألوان رائعة وأفق جميل، أتت لوحاته عن الشرق العربي ملونة بالأحمر الدموي، وتمثل أهل الشرق دمويين يجيشون الجيوش ليقتلوا العزل الأبرياء من الصليبيين واليهود ورماحهم تملأ الأفق".
لو بحثنا في أخلاق المبدعين لوجدنا الكثير، لذا أظن أن الحديث له بقية عن غير دالي ممن تردّت أخلاقهم، وبرغم ذلك تعدّهم بلادهم رموزا لهم، وأي رموز!