أتذكر أني قلت في لقاء تلفزيوني عام 2009، إن شبكات التواصل الاجتماعي وتويتر بالتحديد كانت من أهم الوسائل التي نقلت للعالم حينها المظاهرات التي وقعت في أعقاب إعادة انتخاب الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، وإن مثل هذه الوسائل قادرة على نقل نبض الشارع بكل تجاذباته في وقت عجز الإعلام التقليدي عن أداء دوره الحيادي والموضوعي في نقل الخبر.

منذ ذلك الحين قامت ثورات في العالم العربي عرفت بالربيع، استخدمت شبكات التواصل الاجتماعي كما يعلم الجميع أداة للإخبار من جهة وللتهييج من جهة أخرى، فكان لها أثر بالغ على المواقف الشعبية في جميع الأقطار التي تحرك فيها الشارع، وأسهمت بقدر قد يختلف المحللون حول مدى التأثير الذي أحدثته في تحقيق التغيرات السياسية على أرض الواقع.

كنت ومازلت من المؤيدين لأهمية أن يبقى هذا الفضاء حرا غير خاضع لأي رقابة، ففي ظل غياب مؤسسات المسح الاجتماعي في كثير من دولنا، تعد هذه المنصات وسيلة يمكن خلالها قياس الرأي واستنباط التوجهات، وبالتالي العمل على إحداث التغيرات اللازمة في الأنظمة والمؤسسات، التي تلبي تطلعات الجمهور الأعم من الشعب.

ولكن علينا الاعتراف بأن المنحى الذي اتجه إليه الكثير من مستخدمي هذه المنصات تجاوز الهدف الذي من أجله نشأ، فلم يعد يستخدمه كثيرون من أجل المشاركة الإيجابية في إحداث التغيير بل من أجل التناحر وتصفية الحسابات الفكرية والتحزبية. فالعدل في اتخاذ المواقف أصبح غائبا في ظل سيطرة الفكر الموجه والمواقف المسبقة، وفي ظل غياب الصوت المعتدل في تناول القضايا وجدنا أن متابعة ما يثار في مثل هذه الشبكات أصبح أقرب إلى الاستماع لصراخ وعويل لا معنى له.

الوطنية للبعض تمثلت في تبني جنسية دولة شقيقة، والدفاع عن الإسلام تمثل في تبني الرؤية المتطرفه منه، والنقد الموضوعي لممارسات المؤسسات الحكومية أصبح وسيلة البعض للهجوم على البنى المؤسساتية حتى أعلى مستوياتها، فغابت الموضوعية وزال الرأي المعتدل الذي يمكن الأخذ به.

بالتوازي مع القوانين التي فرضت في بعض دولنا، التي تعاملت مع القذف الإلكتروني كجريمة؛ علينا أن نؤصل لمدونة أخلاق التعاطي الإلكتروني، عبر تدريسه في المدارس، وأن يتم التعامل مع ما يجري كقضية وطنية تتجاوز الحوار الوطني الذي يخاطب النخبة، التي كما يبدو فشلت في خلق قبول روح الاختلاف في المجتمع.