"أمة لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها"، هكذا قالها العالم محمد موسى الشريف، وهو يصف أهمية الآثار والتاريخ.

إن أهم ما يمثل هوية أي دولة هو تاريخها وآثارها، وقيمة الآثار المادية والمعنوية لا تقدر بثمن، وبفقدان أي جزء أو قطعة منها يعني فقدانا لتاريخ هام من ذاكرة أي دولة كانت.

الآثار التي تمثل هويتنا العربية، وتحمل معها تاريخنا العريق أقل ما أستطيع أن أصفها به هو أنها آثار منكوبة، ففي العراق تعرضت الآثار للسرقة بشكل شبه كامل، وتدمير وهدم وإخفاء حتى أصبحنا نجزم بأننا لن نجد أثرا مهما فيها لو زرناها بعد أن تسترد عافيتها واستقرارها، والآثار في سورية لا تقل في نكبتها عن العراق.

الآثار المسروقة التي تعرضت للهدم أو التكسير تستهلك الدول طاقة كبيرة لاستعادتها وترميمها، وقد تنجح في ذلك أو تفشل، وذلك يعود لظروف تخريبها وسرقتها وطريقة تهريبها وبيعها، ولو بحثنا في حادثة سرقة متحف مصر القومي الشهيرة؛ التي وقعت أثناء أحداث الثورة المصرية وبالتحديد في 28 يناير 2011، لآمنا بأن حماية الآثار والاهتمام بها مهما ارتفعت كلفتها فإنها لن تكون أعلى من تكلفة محاولة استعادتها بعد سرقتها وحمايتها.

من يزور متحف مصر القومي في الوقت الحالي فسيجده وكأنه جبهة دفاع، يحيطه الجنود المدججين بالسلاح من كل جهاته الأربع، وتمتد على مدخله المدرعات العسكرية الضخمة، وكأنك تهم بالدخول لمعركة لا أن تزور متحفا.

يأتي هذا الإجراء متأخرا من قبل مصر لحماية آثارها الثمينة، وذلك ما يكشفه لك أحد أقسامها الذي يعرض 193 قطعة أثرية تم استردادها بعد سرقتها في عام 2013 وعام 2011، وتحاول مصر ألا يتكرر خطأ إهمال حماية متاحفها؛ حتى لا يتم سرقتها مرة أخرى. البعض من الآثار المسروقة تم استردادها من ثماني دول مختلفة في الفترة من 2011 وحتى وقتنا الحاضر، وأهدرت مصر جهودا كبيرة؛ بحثا عن آثارها المسروقة كانت ستوفرها لو أنها أولت آثارها القليل من الحماية والاهتمام بدلا من تكبد مشقة البحث عنها وترميم ما كسر منها، وركزت الجهات المعنية في مصر الكثير من طاقتها لاستعادة آثارها المسروقة، فكانت البداية أن قامت باستعادة 126 قطعة أثرية من أستراليا خلال عام 2012، التي قامت شرطة ملبورن بضبطها أثناء مداهمتها لصالة المزادات Mossgreen Auctions" بناء على طلب السفارة المصرية في كانبرا والمجلس الأعلى للآثار، وترجع هذه القطع إلى عصر ما قبل التاريخ حتى العصر اليوناني الروماني، ولك أن تتخيل أي قدر من آثار وتاريخ مصر كان سيضيع لو لم تنجح في استرداد هذه الآثار من أستراليا، وجهود مصر في استعادة آثارها من أستراليا لم تكن الوحيدة، بل البداية لسلسة من محاولات الاستراداد ففي عامي 2011 و 2013، وبعد جهود كبيرة استطاعت أن تسترد عدد ثماني قطع من إنجلترا، وهي عبارة عن جزء من حائط عليه نقش يمثل الجزء العلوي من معبودة كان قد سرق عام 1990 من معبد بهيت الحجر بمحافظة الغربية، وفي الأعوام 2012 و2013 و2014 بذلت مصر جهودا كبيرة لاسترداد عدد خمس قطع من ألمانيا، وهي أثار مسروقة من متحف الأقصر، وتم تهريبها إلى إيطاليا ثم بلجيكا ثم ألمانيا، حيث تم ضبطها في مدينة شتوتجارت مخبأة وسط مجموعة من السجاد داخل حاوية؛ تمهيدا لتهريبها إلى هولندا، وتم التحفظ عليها لدى السلطات الألمانية، وبعد لجوء مصر إلى القضاء صدر حكم نهائي بأحقية مصر في القطع الثلاث، وفي نهاية الشهر الرابع من العام الحالي تم توقيع بروتكول استلام القطع في المتحف المصري ببرلين، حيث كانت القطع مودعة بها، ووصلت إلى أرض مصر في 3/ 5/ 2014.

بلجيكا هي كذلك كان لها نصيب وافر من جهود مصر لاسترداد التحف المصرية منها، ففي العامين 2012 و 2013 تم استعادة سبعة وخمسين قطعة أثرية، ست وخمسون منها عبارة عن مجموعة متنوعة من التمائم والخرز المنظوم والنسيج القبطي، وكذلك مخطوط باللغة العربية، وتم ضبط هذه المجموعة في مطار بروكسل ضمن ما يقرب من 80 قطعة بحوزة سيدة مصرية بعد أن أبلغت شرطة الآثار البلجيكية مكتب الإنتربول في مصر الذي أرسل بدوره إلى مجلس الآثار المصري الأعلى، وتقدمت السفارة المصرية في بروكسل بطلب استرداد للآثار من الحكومة البلجيكية، كما قامت السفارة المصرية بالتواصل مع النائب العام البلجيكي لمتابعة إجراءات الاسترداد، وتم إصدار حكم بتاريخ 24/ 1/ 2012 لصالح مصر وفي 27/ 5/ 2012، وفي مقر وزارة الخارجية المصرية تم استرداد ستة وخمسين قطعة أثرية نقلت إلى المتحف في اليوم التالي، أما في عام 2013 فقد عاد الجزء العلوي لتمثال صغير من الفاينس الأخضر، كان قد فقد خلال اقتحام المتحف في يناير 2011، وفي يناير من العام الماضي تم استرداد أثر من البرازيل عبارة عن رأس تمثال يرجع إلى العصر اليوناني الروماني من سيدة برازيلية تدعى ليتشيا ماريا سيليرا من مدينة بتروبوليس بولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل، وتم استعادة آثار أخرى من سويسرا، وكذلك من فرنسا ست قطع أثرية، منها أربع أجزاء من تطعيمات زجاجية سرقت خلال ثورة يناير 2011، واستردت أثرين من نيوزيلندا في عام 2012، وذلك بناء على طلب أحد المواطنين النيوزلنديين الذي شاهدهما لدى صديقه، إذ رأى أنهما قطعتان أثريتان مصريتان.

وكذلك في نهاية الشهر الرابع من العام الحالي، تم إعادة أحد الآثار المسروقة أثناء اقتحام المتحف المصري في 28 يناير 2011، وهو عبارة عن تمثال توت عنخ آمون وسبعة تماثيل أخرى بعد غياب أكثر من ثلاث سنوات.

كل تلك الجهود التي بذلتها مصر لاستعادة البعض من آثارها المسروقة، وكل تلك الخسائر للآثار في الكثير من دولنا العربية مثل العراق وسورية، كان بوسعنا أن نحتفظ بها للأبد لو أننا بذلنا القدر الكافي لحمايتها.

أن نحميها يعني أن نحمي تاريخنا وتراثنا ومستقبلنا، كيلا تكون لدينا آثار منكوبة وتاريخ مفقود.