قال الزعيم الأميركي مارتن لوثر كينج في إحدى خطبه المدوية: "إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى"، وهي العبارة التي تنسب للمفكر الإيطالي دانتي أليجري.

ولقد كان كينج رجلا عظيما دفع حياته ثمنا لكسر ثم وأد عنصرية المجتمع الأميركي، ولكن في زمننا الحالي من يفعل ذلك تجاه المحتل الإسرائيلي؟! الأكيد إن لم يستطع أحد رفع رأسه وهو يشاهد الجثث المتطايرة في غزة من تلك التي تشهد على أن المعارك الأخلاقية الكبرى أصبحت ترضخ لحكم القوي والمستبد حتى لو أعلن مرارا وتكرارا حياديته، ذلك المستبد في أميركا وبريطانيا وحتى أستراليا ومن بلاد العرب ممن لا يبالي بالظلم، ما دام أن المصلحة هي السبيل.

لن نلوي على شواهد فهي حاضرة كالدخان السام في سمائنا، وحتى من ليس لهم علاقة بالسياسة يطالهم التأثير والتهديد سواء، وكأن المغنية الشهيرة الأميركية ريهانا وكبار نجوم السلة الأميركية الذين عنونوا مواقعهم الإلكترونية بعبارة FreePalestine# "الحرية لفلسطين" استسلموا فورا ليقوموا بعد أقل من ساعة بحذفها بعدما طالهم التهديد من اللوبي اليهودي المتحكم بمفاصل الاستثمار كله.

الأهم رغم اللوبي والسيطرة والانقياد إلى أن ثمة من يخرجون من بين أولئك ليعيدوا فينا الأمل أن ثمة شرفاء موجودون، وما أسعدنا أثناء المأساة أن من كانوا المعنيين بالثبات ومن وقفوا في المكان الصحيح حين المعارك الأخلاقية الكبرى هن من النساء اللواتي لا يضيرهن إن خسرن مواقعهن المهمة التي نذرن أنفسهن لها، لكن لأنها معركة أخلاقية كبرى، فلا مجال للوقوف على الحياد، حتى لو كان الأمر سيغضب كاميرون وأوباما، فكانت سعيدة وارسي وزيرة الدولة في وزارة الخارجية البريطانية تستقيل من منصبها لعدم تأييدها لسياسة الحكومة تجاه غزة، وأي موقف شجاع هذا يأتي من وسط المتآمرين الداعمين، وهو امتداد لقائمة النساء الأكثر شجاعة بعد رئيسة البرازيل روسيف ودول أميركا الجنوبية، والمرأة الصلبة الأخرى وزيرة الخارجية الأسترالية التي أدانت بكل شجاعة العدوان.

لكل الحق أن يختار ما يناسبه من مطعم ومأكل ونزهة، لكن أن تنحاز في اختياراتك أو تظل صامتا أمام القضايا العظيمة ترفض الحق وتنصر الباطل، تبارك الظلم وتتجاهل العدل، فأنت ضد الطبيعي وتمارس الخروج عن المألوف، بل وتعارض ما نادت بها رسائل الأنبياء العظام، لتكون وفق الوصف المأثور "الساكت عن الحق، شيطان أخرس"، وسعيدة وروسيف لم تكونا من هذا النوع حتى لو كانت الخسارة كبيرة والثمن باهظا، لكن هي شجاعة النساء في زمن توارى فيه الرجال خلف المصلحة وقبلها الكرسي.

جميل القول بعد أن بدأ العالم يقف على حقيقة إسرائيل، أن النساء المذكورات المجاهرات برفض الظلم، لم يكن فعلهن منطلقا من محبة في القلب للعرب، بل لأنهن كما أشار كينج اخترن أن لا يقفن على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى.