هناك أزمات متعددة في عدد من الجوانب الخدمية وتستمر لفترة من الزمن، ويترتب عليها ارتفاع خيالي في الأسعار، فنجد أن هناك أزمة مياه تتكرر كل عام في كثير من المدن والمحافظات، وهذه الأزمة لا تأتي إلا في الأوقات التي يحتاج فيها المواطن الماء بشكل أكبر مثل فصل الصيف، وفي شهر رمضان المبارك، وفي الإجازات المدرسية، وكم مرة تكررت هذه الأزمة ولم يظهر المسؤول في منطقة الأزمة ويعمل على توضيح الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة، وإذا ظهر قال إنه لا توجد هناك أزمة، وهنا أقول للمسؤول الذي لا يعترف بأن هناك مشكلة، بأنه لا يوجد دخان من غير نار، وما يحدث في مثل هذه الحالات أن يترك المواطن، والمقيم يعاني من الأزمة دون أن يعرف السبب الحقيقي لها. أنا على يقين أنه لو تم توضيح السبب أو المشكلة التي سببت الأزمة لتقبلها المستهلك، ولتفهمها، ولأسهم في تقنين استهلاك المياه، ولكن عندما يكون السبب ناتجا عن تقصير، أو إهمال في ادارة ما من هذا القطاع مما يؤدي إلى حدوث الأزمة، ولا يريد المسؤول أن يلام على ذلك فلا يتم إيضاح الأسباب الحقيقية لذلك. وقد يكون وراء هذه الأزمة فوائد للبعض مثل وجود سوق سوداء للمياه ويستفيد منها العاملون في مجال نقل المياه بالصهاريج وقد يكون بعض السيارات العاملة في هذا المجال تعود لبعض موظفي هذا القطاع وأقاربهم.

الأزمة الثانية التي يعاني منها الموطنون أيضا هي أزمة الأسمنت والتي تتكرر كل عام، أو عامين، ونتيجة لذلك تكون هناك سوق سوداء للأسمنت، ويرتفع سعره إلى الضعف، وقد ينعدم من السوق لفترة من الوقت، ولا يعرف المواطن الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة؛ فمسؤولو التجارة يرمون المشكلة على مصانع الأسمنت، ومسؤولو المصانع يرمون المشكلة على الموزعين الذين يتحججون بأن المصانع لا تعطيهم الكميات التي يحتاجها السوق، ونتيجة لذلك ضاع المواطن أو المستهلك بين هذه الجهات، وأصبح حائرا لا يعرف الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة، ويترتب عليه أن تتعطل مصالحه، وتتأخر المشروعات الخدمية المختلفة.

الأزمة الأخرى هي أزمة الدقيق وتبدأ بأن تقل كميات الدقيق المعروضة في السوق أو تختفي في أوقات معينة، وعند سؤال التجار عن السبب يكون ردهم بأن هناك مشكلة في التوزيع من الجهات المسؤولة عن ذلك، وقد تكون المشكلة مصدرها التاجر بحيث يقلل المعروض لكي يزيد الطلب، ويتم رفع السعر، وقد يكون مصدر المشكلة هي صوامع الغلال ولا أحد يريد أن يوضح مصدر المشكلة الحقيقي، ويترك المواطن يتكهن بالأسباب ويرمي التهم هنا وهناك، ونتيجة لذلك أستغرب لماذا لا يخرج المسؤول، سواء في وزارة التجارة أو صوامع الغلال، ليوضح أسباب الأزمة الحقيقية في الدقيق؟ لأنه "إذا عرف السبب بطل العجب" وبذلك يكون المواطن على بينة من الأمر ويبتعد عن التكهنات، والافتراضات، والتخمينات، والشائعات التي لا نجني منها فائدة.

المثال الآخر على الأزمات التي تعصف بمربي المواشي هي أزمة الشعير التي تمت المعاناة منها في أوقات ماضية، وعند بداية الأزمة تكون هناك طوابير انتظار للحصول على عدد محدود من أكياس الشعير، وفي الجانب الآخر تنشط السوق السوداء لبيع الشعير في الأماكن البعيدة عن الرقابة. كما أن الجهات التي تنظم بيع الشعير ليس لديها تصور واضح لآليات التوزيع، وقد يكون هناك بعض المحسوبيات في بعض الأوقات، وكالعادة لا يعرف المواطن الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة ولو عرف لكان هناك تفهم لأبعادها، وقد يسهم في التقليل من آثارها المباشرة، وغير المباشرة.

أما أزمة حديد التسليح فقد استمرت لفترة من الزمن، ونتج عنها توقف بعض المشروعات العامة والخاصة وتأخرها لعدم توافر كميات الحديد المطلوبة في السوق. أزمة الحديد كسابقاتها لا تُعرف الأسباب الحقيقية لها، أما نتائجها فقد كانت واضحة وملموسة حين قل المعروض من الحديد في السوق ارتفع سعره، واستمر الارتفاع في أسعاره بالرغم من التخفيضات التي مرت بها أسعار الحديد بعد توافره في الأسواق من بعد الأزمة حتى الوقت الحاضر.

والمتتبع لهذه الأزمات وانعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على المواطن، يجد أنها أدت إلى تغيير حسابات المواطن الذي يقوم بتنفيذ أي مشروع خاص، أو استثماري، وعملت على زيادة المصاريف، وهذه من عوامل التأثير المباشر، أما التأثير غير المباشر على المواطن فهو رفع الأسعار من قبل المستثمرين الذين عانوا من هذه الأزمات، وما يترتب عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وهنا سؤال أخير لماذا لم نستفد من خبراتنا في مجال الأزمات المختلفة في سبيل الحد منها وتلافيها؟