لم أكن أشك يوما في أن الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام الأسد في مارس 2011 أنها بداية "ثورة" ضد نظام تلطخت يداه بدماء شعبه؛ وتورط في الكثير من التدخلات الغبية في دول قريبة منه على مدى أربعين عاما أو أكثر، بينما هذا النظام الذي يعدّ الدولة الصهيونية عدوه الأول ـ على حد تعبير إعلامه ـ لم يتجرأ طيلة هذه السنين على إطلاق رصاصة شرف واحدة ضد انتهاكات العدو الإسرائيلي المتتالية لحرمة الأراضي السورية.

ساورني الشك كثيرا بعد أن أجبرت الجموع المدنية على حمل السلاح للدفاع عن ثوابتهم، والمطالبة بحرياتهم التي خرجوا من أجلها، ثم إن الأمر بدا أكثر وضوحا بعد تدخل حزب الله اللبناني في محاولة لإجهاض الحلم السوري البسيط، إلا أن الثائرين ازدادوا إصرارا على بتر أذرع أخطبوط الدماء عن الكرسي الذي قايض من أجله البلاد بأسرها ليظل جالسا عليه.ولكن هذه الثورة اتخذت مسارا مختلفا عن أخواتها في الربيع العربي، خاصة بعد تكاثر أطراف النزاع على ساحتها في مسعى جليّ لتضبيب الرؤية على متابيعها، مما أخر كثيرا حسم أمر هذه الثورة، وفي ظل تورط الكثير من الأطماع في الثورة السورية، ساء حالها وبدت أقل وهجا مما كانت عليه فقد أفضت الأزمة منذ اندلاعها ـ بسبب تشبث غريب بالكرسي ـ إلى دمار واسع في البنية التحتية لعدد وافر من المدن السورية، وبروز أزمة اللاجئين السوريين في الداخل وفي الخارج، وإتلاف مواقع أثرية، وشبه انهيار في الاقتصاد، والأعداد المرتفعة باستمرار للقتلى، والجرحى، والمعاقين، والمعتقلين، والمخطوفين، والمختفين. كل هذه النتائج المؤسفة تجعلنا نؤمن أن الثورة السورية استحالت بجرائم الأسد إلى ساحة دماء وفتنة وكأنه يقول: أنا أو الطوفان من بعدي. وفي كلتا الحالتين ستكون النتائج مؤسفة.