الرجل الذي ظهر صوته فقط في المقطع اليوتيوبي وهو يرد على يهودي شريف من بروكلين يدافع عن حق الفلسطينيين في دولتهم، صرخ بقوة لماذا تدافع عن العرب إنهم حمقى. واصل الرجل دفاعه عن الفلسطينيين ولم يبد أن هناك من يهتم بتفنيد قول حماقة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كأنه حتى المدافع يقول كونهم حمقى لا يمنع من أن فلسطين من حقهم.

على العموم هناك من قالها ليس كما قالها اليهودي من بروكلين مثل حليفنا العجوز جورج جالوي "أظن أن الرجال الذين اجتمعوا يوماً لتفريق العرب بسايكس بيكو لم يحلموا بأن يفترقوا بهذا القدر"، من يؤذي نفسه أكثر من عدوه ماذا نسميه؟

بعد أحداث سبتمبر انتشرت موجة معاداة العرب ممثلين بالإسلام والتي تغذيها منظمات صهيونية تنشر في أنفاق المترو عبارات تتحدث عن تخلفنا وكراهيتنا للسلام، وللذكر منها منظمة تسمي نفسها "المبادرة الأميركية لحماية حرية أميركا"، تقودها يهودية تظهر عادة في وسائل الإعلام اسمها باميلا جيلر.

في مقابل هذه الدعاية الصهيونية بدأ بعض العلماء لسبب ما إقامة محاضرات أو ندوات يخبرون فيها العالم عن كيف كان العرب، ولم أصبحوا هكذا، ومنهم عالم الفلك الأميركي الشهير Neil Degrasse. في ظني أن الغاية من هكذا محاضرات واضحة للجميع، العلماء يحذرون بلادهم ومجتمعاتهم المتحضرة من أن يسقطوا كما سقط العرب. أعرف أن ذلك مؤلم لكنها الحقيقة.

لقد استحق هذا العربي أن يكون مثالاً على السقوط كما كان مثالاً للارتقاء لأسباب عدة، منها ما ذكره الأميركي Neil ومنها ما نشعر به جميعاً وهو أننا ورطنا الدين بالحضارة، والورطة كلمة عربية بالمناسبة تعني الهلكة أو كل أمر يتعسر النجاة منه.

في تويتر أجد الكثير يتباكون على الأندلس مع يقيني التام أنه لو ملك أحدهم قصر الحمراء لعاث فيه فساداً وانهال بفأسه على التماثيل فيه، وشخبط على جدرانه ولم يرتح حتى يصبح كومة حجارة، كما فعل الداعشيون بتاريخ آلاف السنين في الموصل.

وفيه أيضاً أجد شباباً يلعنون المعتزلة والوجودية والشيعة.. إلخ، ثم يفخرون بابن سينا والكندي وأشعار المتنبي ورسالة المعري في الغفران.

لا شك أن هؤلاء بينهم وبين تاريخهم الذي يحوي سر حضارة أجدادهم هوة ضخمة، والكثير من عدم الوضوح، ومن جانب آخر هم في حالة عدم فهم للدين ودوره الحقيقي وهم مشغولون بما تريده مجموعة من الرجال يتكسبون بالدين والحريات وشعارات الليبرالية، وإثارة العواطف ولا يهم ما يحدث بعد تكسبهم من تخلف ووأد للحضارة وانشغال بالتفاهات عن صناعة وحدة تنطلق منها حضارة مثل حضارتنا الأولى.

كائنات متشابهة تظن أنها مختلفة غارقة حتى الإغماء في صيغ التفضيل مثل أحسن، أغنى، أهم، أجمل، أكثر ثقافة، أشرف نسب، مع أن ملامحهم واحدة، وعاداتهم واحدة ولغتهم كذلك، بل إن هناك دراسات علمية تؤكد أن لا فرق بين الحمض النووي العدناني والقحطاني، والله يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَ?كِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ).

إن ذلك ولا شك بسبب التعليم العالق في القرون التي سقطت فيها الحضارة الإسلامية في فخ الدويلات وأقفلت الجامعات وبقيت الكتاتيب التي تطورت اسمياً حتى سميت اليوم جامعات اليوم وهي ترفض استقلال باحث أو نقد عالم.

وكمثال على ذلك، أن أحد أهم تطبيقات العقل الناقد الذي اكتشف العالم أهميته اليوم مثل علم الرجال أحد روافد الحضارة الإسلامية، وفيه يتم نقد كل من يدلي بدلوه في الدين نقداً شرساً لا يرحم حتى لا يتجرأ شخص على ادعاء العلم والمعرفة، نراه اليوم يتوارى خجلاً بعد أن ادعى رجال آخرون أن لحوم العلماء مسمومة فلا تنتقد كاذباً ولا تتبرأ من سارق.

لذا في الوطن العربي لا فرق كبير بين رجل يقول إنه ليبرالي، ولا يبدي موقفاً من قتل أبرياء تقتلهم حكوماتهم، ورجل يخطب مشجعاً الناس على الموت فكلاهما رسل الموت والدمار والتخلف خرجا من نفس المدرسة لعالم عربي يتساقط كأحجار الدومينو أو الضومنة.