يستخدم البشر اللغة بينهم للتعامل مع بعضهم ونقل مشاعرهم الإيجابية والسلبية؛ وحين نسمع أو نقرأ كلمة موجهة لنا للحكم علينا أو وصفنا فهي إما حسنة أو سيئة ولن نجد كلمة بينهما تخلو من المشاعر!

والكلمة الطيبة تغذي الروح أما كلمة السوء فلا تزول ولا تمحى بل هي كطلقة الرصاص حين تصيب مقتلا!

غردت الأستاذة نوال الهوساوي عن مسلسل رمضاني للممثل حسن عسيري "كلام الناس" جسد عمر الديني فيه دور سيدة أفريقية قائلة: (أخيرا: "الحجة سوزي" ستنضم رسميا لمتحف جيم كرو للرموز العنصرية بأميركا إنجاز تاريخي للممثل حسن عسيري وعقبال الباقين. كنت أتمنى أن يكون أول عربي مسلم يدخل هذا المتحف بطلا حارب العنصرية لكن مع الأسف سيرى الزائرون شخصية سوزي ويتفرجون على تسجيلها باشمئزاز.

كان الدكتور ديفيد مدير المتحف مشمئزا للغاية وهو يتفرج على مقطع الحجة سوزي قال لي: لست بحاجة أن تتحدث العربية لتفهم أن هذه عنصرية مهينة ومنحطة. الفن ليس استهزاء بخلق الله ولا بلونهم أو وزنهم أو قصرهم ولا يكون على حساب كرامتهم ويتعمد تشويه سمعتهم وإبرازهم بصفات الغباء والقبح والبلادة، سوزي هي نسخة مقلدة لسامبو كلاهما يتحدثان بغباء ولغة ركيكة نفس المكياج الأسود والقفازات والباروكة والبراطم، وأسوأ من عنصرية الفكرة أنها مسروقة!) انتهى.

ويشكر للأستاذة نوال مبادرتها في مناقشة قضايا العنصرية كما أن إدانة الواعين لهذا السلوك في مواقع التواصل مؤشر جيد لنمو وعينا بالعنصرية الذي يزال مقبولا حتى اليوم في ثقافتنا!

تعريف ويكيبيديا للعنصرية ("العنصرية" أو"التمييز العرقي" بالإنجليزية(Racism) هو الاعتقاد بأن هناك فروقا وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما - بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق - وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية) انتهى.

ونعلم ارتباط العنصرية بسلوكيات بيع وشراء وحتى سرقة البشر بهدف الرق أو احتقارهم بسبب العرق والغريب أن تاريخ الرق الأسود (والسواد وصف للتاريخ) يدين الممارسين له لا الرقيق ومع هذا لا يتورع العنصريون عن تحويل الإجرام التاريخي بحق الرقيق إلى تهمة ضد المظلومين لا الظالمين الذين سرقوهم واشتروا وباعوا وعذبوهم، وما يزال لليوم أحفادهم يحتقرونهم لفظيا ويلفظونهم اجتماعيا!

وحتى نكون منصفين، بداخل كل إنسان درجة من العجب بالنفس وربما احتقار غيره ولكن الوعي والأخلاق والأديان تحتم عليه أن يتسامى فوق وهم أنه أفضل من غيره؛ تأملوا سخافة فكرة أن فلان أفضل من غيره لأنه مميز بلون جلده أو تلون عينيه أو طول قامته أو سلامة حواسه أو نسبه وكلها هبات من الله له لم يبذل فيها جهدا!

ولأن توهم الأفضلية يجعل بعض البشر يظن أن الكون يتوقف عندما يغمض عينيه للنوم ويعود للحياة بعد أن يفتحهما، فكل ما يدور في الدنيا يدور لأجله! وتوهم الأفضلية جعل بعض الناس يقدم القرابة ويبعد المؤهل في عمليات التوظيف التي تقع تحت سلطته حتى غدت بعض الإدارات أشبه بدورية للجماعة لا بيئة عمل صالحة؛ ولا نكاد نجد هذا يحدث في القطاع الخاص بل غالبا في مال المسلمين فعم الفساد وطم!

أدانت دول العالم العنصرية وحررت الرقيق المظلوم من البداية فقد خطفوه من سواحل بلده وأذلوه وعذبوه؛ لكنها لم ولن تقدر على اقتلاعها من صدور البشر ولا يقتلعها أو يخفض صوتها إلا الوعي والقانون، فهناك جماعات عنصرية أميركية رفضت بشدة ترشيح أوباما رئيسا وأثارت شغبا مع أن شطره من أصل أبيض!

أستطيع تشبيه العنصرية بنظارة مقربة زجاجها متهشم فلا هي توضح الرؤية ولا تنصف من تنقل صورهم!

بعض السلوكيات التي تمارس ضد البشر عنصرية وقد ألفناها للأسف، ومنها وصلنا للسخرية من بلد أو قارة بكاملها واتهام أهلها بالغباء لأن العمال منها عاجزون عن إتقان اللغة العربية وربما هو ذل الانكسار والفقر!

كل مصطلح يتم به توصيف عاهة أو صفة بغرض السخرية عنصرية!

دموع النائبة الإيزيدية أمام الرئيس العراقي قبل أيام كشفت عن عنصرية ما اصطلح على تسميته داعش ضد المختلف، تستحل لنفسها أن تسبي النساء وتقتل الرجال وتأخذ الأرض من أهلها.

وقبلها اعتدت على نصارى الموصل وهجرتهم من بيوت سكنوها لآلاف السنين لأنهم والإيزيديين إثنية دينية!

والعنصرية تاريخيا قد ضربت بأطنابها في ثقافتنا فالمتنبي الذي يقول:

وجرح السيف تدمله فَـيبـرَا

ويبقى الدهر ما جرح اللسان

هو القائل بيتا لا يتورع عن الإشارة له بعض الناس اليوم تصريحا أو تلميحا وهو:

لا تشتر العبد إلا والعصا معه

إن العبيد لأنجاس مناكيد !

قالها في حق كافور حاكم مصر ولو كان اليوم موجودا لقالها في حق أوباما!

أخيرا، العنصرية مرض يلوذ به من تهدم بناء المعرفة والثقة في نفسه فيلجأ له الفاشل من التميز ليتميز على من يصنفهم وهو أقل منهم فما أشد بؤس من تمسك بها!