من حُسن الحظ أن الأسلحة النووية والذرية لم تُستخدم في الحروب منذ أن استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية في هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945. العقود التي تلت تلك الفترة يمكن اعتبارها العهد الناجح لعدم استخدام الأسلحة النووية وبرهاناً على فاعلية سياسة الردع النووي. يقول تقرير نشرته مؤسسة "تشاتهام هاوس" البريطانية للأبحاث إن الخوف من الرد القوي والواسع والفهم المشترك للمخاطر الهائلة التي يمكن أن يجرها استخدام مثل هذا السلاح الفتاك يعتقد أنها من بين العوامل التي ساهمت في منع استخدام الأسلحة النووية خلال هذه الفترة. لكن الفترة التي تلت 1945 شهدت أيضاً سلسلة من الأحداث التي اقترب فيها العالم بشكل خطير من استخدام الأسلحة النووية في مواقف متعددة ولأسباب مختلفة. تُبيِّن الأدلة التي يمكن العثور عليها من بعض الوثائق السرية، ومن بعض مقابلات وشهادات بعض كبار المسؤولين، أن العالم كان بالفعل محظوظاً إذا أخذنا في الاعتبار عدد المرات التي كادت بعض الدول في بعض الحالات أن تستخدم السلاح النووي بشكل غير مقصود نتيجة بعض الحسابات الخاطئة.

الاعتقاد المشترك بفاعلية الرادع النووي ليس التفسير الوحيد المحتمل لتجنُّب استخدام الأسلحة النووية في الحروب المعاصرة. هناك حالات لعب فيها اتخاذ القرار بشكل فردي، وغالباً بعكس البروتوكول المتَّبع والنصائح السياسية، في منع حدوث كارثة نووية. مع أن الصورة الشعبية للخط الساخن بين موسكو وواشنطن تعطي الانطباع الوهمي أن التواصل الحاسم في أوقات الأزمة أمر ممكن، هذه الحوادث الخطيرة تكشف حقيقة أن أولئك الذين يمتلكون الأسلحة النووية سوف يستمرون في عدم ثقتهم ببعضهم البعض ويبقى اعتمادهم الرئيس على البيانات التي يحصلون عليها من أنظمة تكنولوجية قابلة لارتكاب الأخطاء أو سوء التقدير، خاصة عندما يكون على القادة أن يردوا بسرعة كبيرة تجعلهم في كثير من الأحيان غير قادرين على اتخاذ قرارات مستنيرة بشكل كامل.

الحالات التاريخية التي كادت فيها بعض الدول أن تستخدم السلاح النووي نتيجة سوء الفهم تبيِّن مدى أهمية "عامل الحكم البشري" في عملية اتخاذ القرار النووي. بالإضافة إلى الحالات التي تم تسجيلها خلال الحرب الباردة، هناك بعض الحوادث التي وقعت مؤخراً، مثل حادثة الاصطدام في عام 2009 بين غواصة فرنسية وأخرى بريطانية، بالإضافة إلى حالات من سوء التصرف في القوات الجوية الأميركية التي تم الكشف عنها في عام 2013، تبيِّن أن هناك أسباباً موجبة للقلق بخصوص التهاون الحالي في إجراءات الأمن والسلامة وإجراءات القيادة والسيطرة. الأحداث المشابهة لتلك التي حدثت في الماضي يمكن أن تحدث مرة أخرى في المستقبل، لأن الأسباب التي أدت إليها لا تزال قائمة. ومن هنا برزت أهمية إجراء دراسة حول الحالات التي كاد السلاح النووي يُستخدم فيها، والتي يُمكن من خلالها محاولة الإجابة على عدد من الأسئلة الهامة. على سبيل المثال، ما هي سلسلة الأحداث التي قادت إلى وقوع هذه الحوادث، ما الذي منع استخدام الأسلحة النووية في كل حالة من الحالات؟ كيف يمكن الاستفادة من الحوادث السابقة من أجل تحسين تقييم المخاطر الحالية؟ متى وكيف فشلت الإجراءات التي تم اتخاذها لمنع الاستخدام غير المقصود للأسلحة النووية؟ ما هي الإجراءات الإضافية التي يمكن اتخاذها حالياً من أجل تحسين إجراءات الأمن والسلامة في المستقبل؟ الدراسة التي نشرتها مؤسسة تشاتهام هاوس تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال تطبيق عدسة لاستكشاف المخاطر استندت إلى أخذ عوامل الاحتمال والنتيجة في الحسبان، وطبقتها على مجموعة من الحالات التي كادت الأسلحة النووية فيها أن تُستخدم خلال الفترة الممتدة من الحرب الباردة وصولاً إلى القرن الـ21.

تبيِّن النتائج الأولية التي توصلت إليها هذه الدراسة أنه، باعتبار أن احتمالات استخدام الأسلحة النووية بشكل غير مقصود ليست معدومة وهي أعلى مما كان يعتقد في السابق، وبما أن نتائج التفجير النووي خطيرة للغاية، فإن المخاطر المتعلقة بالأسلحة النووية عالية. وتُقدِّم الدراسة تفسيرات لأسباب كون هذه المخاطر أعلى مما كان يعتقد في السابق وتوصيات من أجل التخفيف منها.

طالما بقيت الأسلحة النووية موجودة في ترسانات أسلحة بعض الدول، فإن مخاطر استخدامها سواء بشكل غير مقصود أو مقصود تبقى موجودة ومرتفعة. وإلى أن يتم التخلُّص من الأسلحة النووية بشكل كامل من هذا العالم، فإن اليقظة والحكمة في اتخاذ القرارات النووية تبقيان في أعلى سلم الأولويات. الردود التي يجب على صانعي السياسة وأصحاب القرار العسكري أن يفكروا فيها يجب أن تتضمن شراء الوقت من أجل اتخاذ القرار، خاصة في الأزمات؛ تطوير إجراءات بناء الثقة؛ الامتناع عن المناورات العسكرية الكبيرة خلال فترات ارتفاع حدة التوتر؛ إشراك مجموعة أكبر من صانعي القرار في فترات الأزمات؛ وتحسين الوعي العام والتدريب على آثار الأسلحة النووية.