"دار الحكمة الخليجية"، هي مجلس ثقافي افتراضي يدلف إليه العشرات من المثقفين والفاعلين في المشهد من الجنسين، وعبر تلك الشبكة العنكبوتية يصبح للحوار مذاق خاص بين الأصدقاء والزملاء، كل حسب وقت فراغه وجدوله الخاص. تتم مناقشة كل شيء وأي شيء، وبكل صراحة وأريحية يتجاذبون أطراف الحديث حول الوطن وهمومه وشجونه، والحب، والفن، والأدب وأسباب ارتفاع أسعار الطماطم أحيانا.

تلك المجالس الإلكترونية تثري المشهد كثيرا، وتلاقح الأفكار يجعل المسألة أكثر إغراء، خاصة أن رواد تلك الندوات الثقافية المستمرة على مدار الساعة يتميزون بالعقل والاستنارة.

الجيل الشاب لم يعد يستمع للخطاب التقليدي، ونحن بحاجة إلى أساليب تتناسب مع طريقة تفكيرهم، عبارة كتلك، عادة تكون البداية لأحاديث تمتد لساعات.

الأساليب الجديدة تتطلب منهجا فكريا ومنظومة تفكير تجديدية وأساليب عرض إبداعية وأنماط عمل مختلفة، وهذه لا تتوافر في الخطاب الديني التقليدي.

لماذا لا تكون هناك مشاركات من الجيل الجديد نفسه، بحيث تخرج تلك الأساليب الجميلة منهم وهم من ينفذونها. أعتقد أنه من المهم إشراك الجيل الجديد ضمن مشروع وطني شامل يهدف إلى تنمية خطاب ثقافي متوازن ومتسامح، ينبذ كل أشكال العنف والكراهية ويعزز المحبة والوطنية؛ لئلا ينساق الشباب للدعوات الخارجية، وهذا هو المطلوب.

هل مازالت بعض المجمعات التعليمية الكبرى حاضنة لتفقيس الأفكار المتطرفة؟ وهل لا يزال العاملون في مجال التدريس هناك متمسكين بأفكارهم الإقصائية ذات الاتجاه الواحد؟ المنظومة التعليمية برمتها تحتاج إلى إعادة صياغة وهيكلة من جديد. الشباب ينظر إلى هؤلاء كمتناقضين، ولذلك فقد الثقة بهم، وبدأ رحلة البحث عن بدائل، والمشكلة أن العلاج لا يمكن أن يكون بأدوات المرض نفسها.

نحن في المملكة ـ أكثر من غيرنا ـ معنيون بمعالجة هذه الأزمة الفكرية والاجتماعية، لما للمملكة من تأثير إقليمي، ولكونها حاملة لرسالة إسلامية محددة. هناك من لا يتفق مع هذا الطرح؛ لأنه يرى فيه تجنيا على الجامعات وعلى المؤسسة الدينية وتحميلها وزر مشاكل المجتمع وعدم رمي اللائمة على جهة بعينها. المنظومة الفكرية المنتجة لتوجهات العنف والتشدد هي حصيلة البيئة التعليمية والدينية السائدة والتطرف صنيعة غرس حقد وأفكار مشوشة في عقول شباب في فئة عمرية معينة، غالبا ما تكون في بداية المرحلة الثانوية، بل ربما صرنا نصدر هذه التوجهات لمختلف قارات العالم، ولم نستورد منها شيئا.

يجب علينا أن نعمل على زرع أفكار وتوجهات إيجابية، والبعد عن التطرف والسبل المؤدية للفرقة، والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد؛ كي نجني ثمار ذلك في الأجيال القادمة على الأقل.

ليكن شعارنا الانتقال من التطرف إلى الاعتدال، بحيث يتحول إلى مشروع وطني جامع، يشارك فيه الواعون من أبناء وبنات الوطن، ولا بد من بناء نواة انطلاق لتلك المبادرات التي ستكون صعبة في بدايتها، ولكن مع الإصرار سنحقق الهدف.

ينبغي أن يقود الجبهة المضادة للفكر المتشدد شباب، وعلماء دين، ومثقفون، لتفنيد كل الحجج بالدليل والمنطق وتبيان الأفكار المدسوسة، ويجب الترفع عن الأسلوب العاطفي والصراخ والإخراس؛ لأن هذا الأسلوب منفر. لا يحتاج الإنسان لفتوى للدفاع عن وطنه، وأي خطر أشد من خطر الأفكار الضالة المضلة.. وكم أتمنى أن أرى التلفزيون مثلا ينفتح على برامج تعكس التعددية والطائفية، ويتحدث فيها شيوخ علم من كل المذاهب، وكذلك انفتاح المنهج الدراسي على هذه التعددية.

كم يفخر بكم وبفكركم فضاء الشبكة أحبتي من زميلاتي وزملائي في "مجلس دار الحكمة الخليجية".. لا أخفيكم سرا أيها الرائعون أنني أسمع تصفيق الوطن لنا، وهذا يكفينا.