وجاء اليوم الذي أصبح فيه الخبر "ببلاش". ليس هذا فحسب بل ومعه صورة وصوت، وربما مشهد كامل يبين عن الشخوص والمصدر والرأي العام والمستند. جاء اليوم الذي أصبحنا جميعا خبريين، حتى الأطفال لديهم ما يقولونه في قضايانا. جاء اليوم الذي لم تعد فيه المعلومة جديدة أو غريبة أو نادرة، كلنا صرنا معلوماتيين ننقل المعلومة ونتبادلها، ونزود بعضنا بعضا بها في تسابق محموم، يجعل القنوات الإخبارية بمختلف أنواعها تلهث وهي تجاهد في سبيل حيازة قصب السبق لإيرادها قبلنا.

حتى ما أكتبه في هذه اللحظة لم يعد جديدا ولا مفاجئا؛ لأن التغير والتطور أصبحا خارج المحدودية، وتخطيا البعدين الزماني والمكاني إلى أبعاد فراغية أخرى، عملت عليها وسائط التواصل الاجتماعي الأكثر إقناعا وإمتاعا، حتى في نقلها للكوارث والمصائب والغرائب.

لم تعد للخبر ـ اليوم ـ أهميته الأولى، لقد تدنى صحفيا إلى مرتبة تالية بحكم توافره، ولم يعد للمعلومة بريقها الأخاذ مذ أضحت في جيب الصغير قبل الكبير، والجاهل ونصف المتعلم قبل المثقف ومدمن القراءة، ولهذا أعجب من بعض الكُتاب الذين خصصوا مقالاتهم منذ عشرين عاما لنقل المعلومات وما زالوا على ذلك حتى اللحظة، لقد كان ازدهار المعلومة في العقدين الماضيين داعيا إلى إبراز المشتغلين بها، وتمييزهم بما حصلوا عليه من حظوة معرفية، في ظل ضعف التدفق المعلوماتي وضيق مساحة الانتشار، وقلة مصادرها الموثوقة، فضلا عما يجده الباحث من نصب وإرهاق جراء تنقيبه الطويل، وربما سفره وتنقله للحصول عليها، والتأكد من صحتها واستنادها إلى أسس علمية أو معرفية أصيلة.

مع ذلك كله، وفي الشأن نفسه، اضطربت مفاهيم عدة، أحدها ـ بل وأبرزها ـ هو مفهوم المثقف الذي ما فتئ مضطربا حتى قبل الثورة المعلوماتية، فما بالك وقد بات المجتمع برمته مثقفا بصورة ما، وقادرا على تناوش أي مصطلح ثقافي في ثوان معدودة لا تتعدى فتح جهازه وكتابة المصطلح على محرك البحث ليجد أرتالا من الدراسات التفصيلية حول ذاكم المفهوم أو المصطلح.

حتى إن السائل عن المعلومة أو الخبر في أيامنا هذه يوصف بالغفلة وقلة الحيلة إن لم يتجاوز الوصف إلى ما هو أشد وأنكى، فأين يكون الضابط الفارز إذا؟

يكون ذلك ـ من وجهة نظري ـ في المقدرة على قراءة ما وراء الخبر أو المعلومة وتحليل أبعادها، وعلى ذلك يجب أن تشتغل صحفنا الورقية، إن أرادت رواجا بين القراء.