لعلها من المصادفات الجديرة بالتأمل، أن ذكرى ميلاد أيقونة الحرية السمراء، "نيلسون مانديلا"، تزامنت هذا العام مع عودة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فقبل 17 عاماً، وتحديداً في عام 1997، حضر "مانديلا" مؤتمرا للتضامن مع الشعب الفلسطيني قال فيه عبارته الشهيرة: "نحن (شعب جنوب أفريقيا) نعلم جيدا أن حريتنا ستظل منقوصة بدون حرية الفلسطينيين".

"مانديلا" كان من أهم الداعمين للقضية الفلسطينية، فهو في فترة كفاحه كان يدرك أوجه الشبه الكبيرة بين قضية بلاده والقضية الفلسطينية، فكان من أوائل الذين ربطوا بين جرائم إسرائيل وجرائم نظام "الأبارتيد" العنصري في جنوب أفريقيا، حيث قال في إحدى خطبه" إن (الأبارتيد) جريمة ضد الإنسانية وإسرائيل حرمت ملايين الفلسطينيين من الحرية والملكية، واتبعت تمييزا عنصريا بشعا... وشنت حربا على المدنيين وخصوصا الأطفال".

فلو نظرنا للماضي ـ أي قبل سقوط النظام العنصري ـ نجد أن جنوب أفريقيا وإسرائيل هما الدولتان اللتان قامتا على العنصرية المقننة، ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون علاقات الصداقة بينهما وطيدة جداً، وخاصة في الجانب الأمني؛ لأن إحساسهما بوحدة المصير العنصري، كان ضارباً في الأعماق، ولكن بمجرد سقوط نظام (الأبارتيد) العنصري في جنوب أفريقيا بدأت المخاوف تتزايد لدى الجانب الإسرائيلي بعد فقدان صديقها العنصري.

"مانديلا"، استخدم سلاح المقاطعة الذي شكل عاملا حاسما في التخلص من النظام العنصري في جنوب أفريقيا. وكان قد دعا إلى تلك الحملة العظيمة، في أوائل الستينات، المؤتمر الوطني الأفريقي، ونجحت في استقطاب أصحاب الضمائر الحية في العالم، فمثّل ذلك ضغطا خارجيا على نظام جنوب أفريقيا.

القضية الفلسطينية استلهمت قصة المناضل "مانديلا" وبدأت في الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل منذ 2005، كان آخرها قبل أشهر عندما اتخذت أهم الجمعيات الأكاديمية قرارا بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية وهي الجمعية الأكاديمية للدراسات الأميركية التي تعد من أعرق الجمعيات وأكبرها عضوية، وقد جاء في حيثيات قرارها إن "الحرية الأكاديمية للطلاب والأكاديميين الفلسطينيين غائبة تحت الاحتلال، ومؤسسات التعليم العالي في إسرائيل مشاركة في سياسات دولة إسرائيل". هذه الجمعية لم تكن الأولى فقد سبقها قرار مماثل للجمعية الأميركية للدراسات الآسيوية، وتلاه قرار آخر للجمعية الأميركية لدراسات السكان الأصليين، ولا تزال المعركة دائرة والجدل محتدما داخل الجامعات الأميركية بخصوص الموقف من مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية وهو ما دفع الكل لإجراء نقاش جاد حول ما يجري في الأراضي المحتلة.

الحملة العالمية لمقاطعة النظام العنصري لجنوب أفريقيا نجحت بعد ثلاثة عقود كاملة، الأمر الذي يجعل ما حققته حملة مقاطعة إسرائيل في تسع سنوات إنجازا لا يستهان به، وقد انعكس ذلك بشكل جلي في التصويت الكاسح لصالح عضوية فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اعترضت على عضوية فلسطين خمس دول فقط، من ضمنها أميركا وإسرائيل. الإسرائيليون يدركون تماما أن الزمن ليس لصالح الاحتلال ولكن بوجود قيادة إسرائيلية متطرفة، لن يكون أمامها إلا افتعال الأزمات لكي يقوموا بضرب وقتل الفلسطينيين، وهو قتل يصل إلى مصاف جرائم الحرب. أخيرا أقول: نضال "مانديلا" ورفاق دربه يذكرنا بأنه لا شيء مستحيل وأن إرادة الشعوب تنتصر في نهاية المطاف وأن إسرائيل ستواجه يوما ما مصير نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.