لطالما كان الزمن حليما معنا، لكن إلى متى؟

لا يمكن لأحد أن يتغاضى وهو يسمع مزيجا من عويل ونواح ورصاص خارج داره، فكيف الحال لو كان والعراك في الشارع قرب عتبات بوابة بيته.

جرت العادة أن نظاما قانونيا وأخلاقيا يحكم كل شوارع وبيوت المدينة، لكن، في هذا العراك بالذات، لا أثر لأي محاولة لفَضه، بل هناك من صنعه ويؤججه ويصب عليه زيته وصمته المجرم، رغم سيول الدماء التي تلمع تحت الأضواء، الجميع ناموا، السكان والقانون والأخلاق، إلا المعركة ووقودها من الناس والحرث والنسل.

أمر مذهل يعقد ألسنة الرجال والزعماء، لا أحد منهم في وضع يمكنه من رفع الصوت بالتحذير والتقريع والعتاب والنصيحة إلا عبدالله بن عبدالعزيز، زعيم شجاع يستند إلى وطن مستقر ورمزية مركزية عربية إسلامية، وحضور عالمي عنوانه السلام والحوار والهدوء.

ذكّر، أيده الله، العالم بواجباته، وعاتبهم على التراخي عن القيم العليا التي تفاخر بها البشرية، ذكرهم بالمبادئ السياسية والدينية والأخلاقية، خاطب الزعماء والمنظمات، والعقلاء في العالم، ذكّرهم أن السلام هو مهمة الجميع، فالفوضى لن ينجو منها أحد، وأن الظلم والصمت عنه لا ينتجان إلا أجيالاً فاقدة صوابها، لا تؤمن بالآخر إلا عبر الرصاص ثم الرصاص.

ولأن جانبا من العبث القتالي يحدث باسم الدين، فقد خاطب الملك، الفقهاء في عموم المسلمين أن لا يمنح صمتهم الفرصة لمختطفي الإسلام بتقديمه بصورة مشينة فالتاريخ لن يرحم أحداً.

ثم خص الملك فقهاءنا، وبحضورهم، بكلمة أخرى وباسمنا جميعاً "ترى فيكم كسل وفيكم صمت، وفيكم أمر ما هو واجب عليكم".

طال الصمت، والزمن لن ينتظر أكثر مما انتظر، والواقع المحدق بالدار لا يحتمل صمت الصامتين.

اللحظة حرجة وفقهاؤنا أمام ضمائرهم الدينية وأمام ضمائرهم الوطنية، الكسل الآن ليس فضيلة. والحرص على كسب الجمهور بالصمت منكر في هذا الوقت.

في بعض تراثياتنا فطريات سامة تتيح لكل متعطش للدم خطف الإسلام ليقتل باسمه. هذا الفطريات ليست من الدين ويعرفها فقهاؤنا جيداً، وواجبهم استئصالها بشجاعة يحفظها لهم الدين والتاريخ، وتشكرها لهم الأجيال.

صبر الزمن انتهى.