في خطاب تاريخي مؤثر بمناسبة عيد الفطر المبارك، دعا خادم الحرمين الشريفين قادة وعلماء الأمة الإسلامية "إلى أداء واجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام، وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب، وأن يقولوا كلمة الحق، وألا يخشوا في الحق لومة لائم".

وأضاف الملك عبدالله: "إن من المعيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين، فيقتلون النفس التي حرم الله قتلها، ويمثلون بها، ويتباهون بنشرها، كل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء، فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وألصقوا به كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم وطغيانهم وإجرامهم".

هذه الكلمات المؤثرة جاءت لتؤكد نتائج التقرير الصادر مؤخرا عن المؤشر العالمي للإرهاب، الذي أوضح أن الدول الإسلامية كانت في العقد الماضي أكثر دول العالم تأثرا بالإرهاب، وعلى رأسها العراق وباكستان وأفغانستان واليمن والصومال ونيجيريا.

فمنذ 11 سبتمبر 2001، وصل عدد ضحايا الإرهاب من العراقيين إلى 33% من إجمالي ضحايا الإرهاب في العالم، بينما فاق مجموع ضحايا الإرهاب في كل من العراق وباكستان وأفغانستان نسبة 50% من ضحايا الإرهاب العالمي، وذلك نتيجة تضاعف عدد الهجمات الإرهابية في هذه الدول بنسبة 400% كل سنة منذ عام 2001.

للأسف الشديد، إن معظم الأرواح المزهقة جراء العمليات الإرهابية للفئات الضالة هم من المسلمين، فمنذ ظهور جماعة "القاعدة" وحركات "طالبان" في أفغانستان و"بوكو حرام" في نيجيريا، أودى الإرهاب بحياة 140 ألف شخص من خلال 8,700 عملية انتحارية شنتها الجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء باكستان وأفغانستان ونيجيريا، ليشكل المسلمون 84% من الضحايا.

وحتى لا يُختطف الإسلام زورا وبهتانا، كانت المملكة دائما سباقة في مكافحة الإرهاب والتطرف، فعلى الصعيدين العربي والإسلامي، كانت المملكة أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 2000، وذلك بعد تصديقها على مدوّنة قواعد السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي المعتمد من قبل المنظمة في عام 1995.

كما صادقت المملكة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في عام 1998، واتفاقية الدول الخليجة لمكافحة الإرهاب عام 2004، والاستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب في عام 2003. وفي القمة الإسلامية الاستثنائية، التي عقدت بمكة المكرمة عام 2005، أطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرة الحوار بين الأديان والثقافات، التي توجت بإنشاء مركز الملك عبدالله العالمي للحوار في "فيينا"، وبحضور 850 شخصية عالمية من القيادات الدينية والسياسية.

وعلى الصعيد العالمي، كانت المملكة أول من حث المجتمع الدولي في عام 2002 على التصدي للإرهاب، من خلال تبني رؤية شاملة في إطار الشرعية الدولية، تكفل القضاء على الإرهاب، وصادقت المملكة على 16 اتفاقية دولية تعنى بمكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، وأخذ الرهائن، وقمع الأعمال غير المشروعة ضد الملاحة البحرية، وبروتوكول قمع الهجمات الإرهابية، وتمويل الإرهاب، والإرهاب النووي. وبمبادرة من خادم الحرمين الشريفين تم إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة في سبتمبر 2012 بتبرع سعودي بمبلغ مئة مليون دولار، لبلورة التعاون والتنسيق الدولي في مواجهة الإرهاب تحت مظلة أممية.

وفي مجموعة العشرين شاركت المملكة بفاعلية في اجتماعات تنفيذ التوصيات الصادرة بمكافحة تمويل الإرهاب، فاجتازت بجدارة أوجه التقييم المشترك كافة لفريق العمل المالي "فافت"، مما أهّلَ المملكة للفوز بالمرتبة الأولى عربيا، وأحد المراكز العشرة الأولى بين دول مجموعة العشرين، في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحسب التقرير الدولي لفريق العمل المالي. ولقناعتها التامة بجهودها المبذولة في مجال مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، قامت المملكة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، للقيام بتنفيذ برنامج تقييم القطاعات المالية في المملكة المعروف باسم "فساب".

وعلى الصعيد المحلي، نجحت المملكة في اجتثاث شأفة الإرهاب بفضل الاستراتيجية الأمنية التي حازت على تقدير العالم بأسره، إذ سجل الأمن السعودي عدة ضربات استباقية وإفشال 95% من العمليات الإرهابية، إضافة إلى اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال المتعاطفين والممولين للإرهاب.

كما تبنت المملكة منذ 10 أعوام برنامجا فريدا للمناصحة والرعاية، نتج عنه تقديم إعانات مالية بأكثر من 1,5 مليار ريال لنحو 13500 حالة، وتوظيف 177 مستفيدا، وإعادة 330 فردا إلى وظيفته، بينما خضع 1499 شخصا لهذا البرامج، بينهم 120 ممن عادوا من سجون "جوانتانامو". ومن خلال حملة "السكينة" نجحت المملكة في تعزيز الوسطية، بالتواصل مع أصحاب الأفكار المتطرفة على شبكة الإنترنت لمناصحتهم، وتصحيح مفاهيمهم الخاطئة، ونقد مقولاتهم الهدامة.

ولقد أدت محاورة أكثر من 3 آلاف شخص منحرف لتراجع نحو 1500 شخص منهم بنسبة 100%، كما لجأت المملكة إلى تنظيم عمل الجمعيات الخيرية، البالغ عددها 498 جمعية، لتصبح جميعها خاضعةً للائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 107 وتاريخ 25/ 6/ 1410، الذي يحظر على هذه الجمعيات تقديم المساعدات والتعاون مع أية جهات خيرية خارج المملكة.

واتساقا مع هذه التدابير والإجراءات الإقليمية والدولية التى اتخذتها المملكة لمكافحة الإرهاب، صدر المرسوم الملكي رقم م/16 وتاريخ 24/ 2/ 1435 بالموافقة على نظام جرائم الإرهاب وتمويله، المتضمن41 مادة قانونية، يجرم فيه المشاركة في أعمال قتالية بالسجن ما بين 3 إلى عشرين عاما.

حتى لا يُختطف الإسلام، على قادة وعلماء الأمة الإسلامية أن يحذوا حذو المملكة في مكافحة الإرهاب.