وصلت ميناء ضباء ثاني أيام عيد الفطر ممنيا نفسي برحلة بحرية إلى مصر الشقيقة، عبر عبارة القاهرة المهداة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز للشعب المصري بعد غرق عبارة السلام في العام 2006، حرصا منه "حفظه الله" على استمرارية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية بين مملكتنا ومصر، كانت لحظة وصولي قبل الشروق بقليل، وللاستمتاع بالرحلة تخيلت منظر الغروب على متن العبارة، وتسامعت هدير الأمواج، ومتعة تأمل الأسماك والدلافين التي كثيراً ما تقترب من العبارات والبواخر طمعاً فيما يقذفه لها ركابها من طعام، إلا أن كل تلك الأمنيات والتخيلات سرعان ما تبخرت بعد أن أخبرني حارس أمن مكتب الحجوزات بأن العبارتين القاهرة والرياض خارج الخدمة لعطلة العيد، وبأنهما لن تبحرا إلا في خامس أيام العيد، سألته باستغراب شديد بأن محطات القطار والمطارات وشركات النقل العام وكل موانئ العالم لا تنام؛ تعمل على مدار السنة ولا تتوقف إلا لظرف طارئ للغاية، لماذا عبارتا القاهرة والرياض اللتان أمر بهما "خادم الحرمين" من أجل أن تقلنا لأشقائنا في مصر وتقلهم لنا لا تخدمانا في أيام العيد التي تعتبر ذروة السفر والسياحة؟! لم يملك جوابا واكتفى بابتسامة وتركته إلى سيارتي وأنا أتمنى صدقاً أن أعرف الشخص الذي يملك الحق في إيقاف الرحلات البحرية أثناء أيام العيد بين أهم بلدين عربيين.. عبارتا الرياض والقاهرة تمثلان رابطا اقتصاديا واجتماعيا متينا بين بلدنا ومصر، بل تمثلان الرابط البحري المفضل لسكان الخليج والمقيمين المصريين فيها؛ فمن يملك الحق أن يوقفهما ويعطلهما أيام العيد؟!.
لماذا لا يحتفل المسؤول عن رحلاتهما بأعيادهما؟! ولا يحفل بأفواج المسافرين المتكدسين في فنادق محافظة ضباء؟ الذين وجدت البعض منهم وبعائلاته يفترش المساجد والحدائق وأرصفة الكورنيش بعد أن تعذر استقبالهم بالفنادق والشاليهات والشقق المفروشة لوصول نسبة الإشغال إلى ذروتها القصوى، وعلقوا لوحات بعدم وجود وحدات سكنية شاغرة في المداخل، اختصاراً على باحثي السكن وتخفيفا لمشقة الاستفسار. بعض العائلات كانت قادمة من الكويت والبعض من الإمارات ورجل كبير في السن قادم من الجبيل، وعائلة أخرى قادمة من الرياض وكلهم دون مأوى، بينما نجد عبارتي القاهرة والرياض مغلقة أبوابهما غير عابئتين بما يعانيه الأطفال والنساء ويتكبده الرجال من أزمة وتكدس على أبوابهما.
من غير المنطقي أن تغلق وسيلة مواصلات عامة أبوابها سواء كانت عبر الجو أو البر أو البحر ولأي ظرف كان؛ فما بالك بأن تعتذر عن خدمة المسافرين في أوقات الذروة في عيد الفطر المبارك، شعرت بتعاطف كبير وأنا أتحدث مع "حلمي" القادم من الكويت على متن سيارته الخاصة التي سيشحنها معه عبر العبارة إلى مصر، وهو يحكي لي معاناته التي يتمثل الجزء الأكبر منها في اضطراره للانتظار ثلاثة أيام مفترشاً أرضية المسجد لعدم حصوله على فندق يؤويه وزوجته وطفليه إثر تكدس المسافرين بسبب إيقاف الرحلات البحرية بين ميناءي ضباء وسفاجا. يبدي "حلمي" تذمره وغضبه وهو يقول: "أنا لم أر في حياتي مطارا أو محطة قطار أو ميناء يغلق أبوابه في وجه المسافرين، وأتعجب أن أرى ميناءي ضباء وسفاجا اللذين يعدان من أهم حلقات الوصل بين البلدين هما من يفعلان ذلك، وفي وقت يكون فيه الناس في أمس الحاجة للسفر لمشاركة الأقارب والأهل في الاحتفاء بالعيد والتمتع بالسياحة".
في خامس أيام العيد أخبرني موظف الحجوزات بعد أن ناولني التذاكر بأن موعد إبحار عبارة القاهرة هو الساعة الثانية ظهراً وبأن موعد الحضور الساعة 11 ص ومدة الرحلة 4 ساعات، ولكنه لم يكن كذلك وتأخر إبحار العبارة لمدة 7 ساعات. بدأت بوادر التأخير منذ وصولنا في تمام الساعة 11 صباحا كما حدده موظف مكتب الحجوزات ولم نجد أي موظف في صالة المغادرين!!
ذهبت لحارس الأمن الجالس في مدخل الصالة وسألته عن سبب غياب الجميع وبأنه لم يتبق الوقت الكافي لإنهاء إجراءات السفر؛ فأفادني بأنه لن يكون هناك أحد قبل الساعة 1 ظهراً فأخبرته بأن ساعة واحدة لا تكفي لإنهاء إجراءات كل المسافرين وخاصة أن موعد إبحار العبارة هو الساعة 2 ظهراً فابتسم بسخرية وقال: "هم يقولون لكم الساعة 2 ظهراً ولكن في الحقيقة لن تبحر قبل الساعة 4 عصراً، ساعتين لا تفرق إن شاء الله وسيعوض هذا التأخير الاستمتاع بمنظر الغروب على متن العبارة".
هكذا حدثت نفسي وأنا في صالة المغادرة التي لا يوجد بها أحد غير المسافرين وحارس الأمن.. من وقت وصولنا الساعة 11 صباحا وحتى لحظة كتابة هذا المقال الساعة الثامنة مساءاً ومازالت العبارة راسية في ميناء ضباء ومازالت الفوضى تعم هذا المكان وبجواري طبيب مصري يخبرني بتذمر وأنه منذ تدشين عبارتي الرياض والقاهرة في العام 2008م وهو يسافر عليهما كل سنة ولم يحدث أن سافر مرة واحدة في الموعده المحدد بل إن التأخير هو عادتهما في كافة رحلاتهما وبأن خدماتهما تسوء عاماً بعد عام.
عبارتا الرياض والقاهرة أهداهما الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمصر الشقيقة من أجل أن تسهل عبور المسافرين عبر البحر ولكن الشركات المشغلة لهما عسرت العبور حتى أصبحت هاتان العبارتين لا تمثلان حلقة وصل بل عقبة في طريق المسافرين، والسؤال هنا لمسؤولي عبارتي الرياض والقاهرة، لماذا لا تمنحون القليل من الدقة والكثير من العمل بمسؤولية بعيداً عن طريقتكم التي لا تتناسب أبداً مع ما يمثله الطريق البحري بين ميناءي ضباء وسفاجا من أهمية لأكبر بلدين عربيين.. مصر والسعودية؟!
ولماذا لا تعملون على تحقيق الهدف الأساس من أمر خادم الحرمين الشريفين بإهداء عبارتي الرياض والقاهرة لجمهورية مصر الشقيقة؟!