مذ عرفت التلفاز وأمي ترفض أن تشاركني مشاهدة البرامج الثقافية، حتى تلك الظهيرة التي حاولت فيها جادة في إقناعها بأن أشاهد برنامجا مهما يهمني. وافقَت، وبعد نهاية البرنامج قالت: "اقلبيه على "امبدو" ما مع "وله" إلا هدرة وقراطيس".

خضعت لأمرها ووضعته على قناتها المطلوبة "الأماكن"، حيث تجد ما تهفو إليه نفسها، وما تراه مناسبا سترا ولغة وفهما في المسلسلات البدوية.

وقبيل شهر رمضان المودع لنا بأسبوع، وجدت متعة جديدة أضافت لها جوا خاصا حيويا في نهارات رمضان. كانت تردد اسم "عبدالله عسيري" كثيرا، وتروي لي ماذا حصل، وكيف يعرض التراث ظنا منها أنه يبيعه، شاركتها المشاهدة لأجد أنها تشاهد برنامجا ذا بعد اجتماعي ثقافي وإنساني، يهتم بجوانب حية نفتقدها في برامج المسابقات. هذا البرنامج يشترك فيه الأستاذ القدير: عبدالله عسيري وزميله محسن الشمري، يسلط الضوء على التعريف بالموروث الشعبي اقتناء ولغة.

ويأتي في قالب كوميدي خفيف قريب من النفوس، ويناسب كل الفئات العمرية، بل إنني رأيته مدرسة تثقيفية خرجنا منها بمعلومات قيمة ومصطلحات من الموروث اللغوي، سواء كان من جنوب المملكة أو من شمالها، إضافة إلى مستوى التوعية الاجتماعية التي تتخلل البرنامج في أسلوب خفيف مقبول من الجميع.

مما كان ا?ستاذ عبدالله حريصا عليه في كل أعماله: التشبث بلغته وا?غراق فيها، لقد رأيته بالفعل ظهر في هذا البرنامج أكثر من العمل الدرامي، ربما كان سبب هذا التركيز على ظهور الربط والاختلاف بين شمال المملكة وجنوبها، وظهور المنافسة الحميدة بين لهجتين قامت عليها منطقتان من أشهر مناطق المملكة وأعرقها وأكثرها اتصالا بالقيم الاجتماعية.

لذا رأينا في هاتين الشخصيتين قوة الإنسانية، والتعاطف الجميل الأخوي مع المشاركين في دفء البرنامج، وفي ذات الوقت كان لهما دور ملحوظ في بث ثقافة التسامح والتحلي بالعادات الحميدة، والتفاني في كسب حب الناس، والتواصل معهم من خلال قناة قد يجهل الكثير هدفها الأساس، وهو الاهتمام بالموروث والمحافظة عليه.

هكذا هي أمي دائما تقودني إلى حيث ترضى نفسي، وتعينني على اكتشاف مناجم ا?بداع، إذ كان لارتباطها بالزمن النقي دور في البحث عما يرضي ذائقتها، ويحرر نفسها من رتابة الفضائيات وفوضى مخرجاتها.

وكان لعبدالله عسيري ورفيقه الفضل في إعادة الثقة في برامج المسابقات الرمضانية، والعودة بنا إلى الواقع الجميل، والبساطة في العمل، مما جعل برنامجهما يستقطب الجمهور ويهتم بهم.

لصاحب القناة وللعسيري والشمري دعوات أمي التي لا تنتهي.