أعلن قسيس متهور من أمريكا أنه عازم على حرق القرآن بمناسبة الذكرى التاسعة لأحداث سبتمبر المجنونة حين خر برجا نيويورك دكا.
بعدها لم يبق العالم هو.. هو كما كان قبل أحداث سبتمبر، وهو يقول لنا مشكلة الصراع بين الصغار والكبار، والجدل بين مسألتي كيف ولماذا؟ فالكل تحدث في كيف حدث ما حدث؟ ولكن لم يقل أحد أو يتجرأ أو يطرح فينشر لماذا تحدث الأحداث؟ وما علاقتها السببية ببعض؟ ذلك أن كل حدث هو في علاقة جدلية بين ما قبل وما بعد، فهو نتيجة لما قبله، وهو سبب لما سيأتي بعده.
وحين تُشن حرب ضارية على الإسلام في صور شتى من كاريكاتير وإعلان حرق القرآن وما شابه، فهو حدث تجاوز بعده السياسي ليدخل ويكشف عن علاقة عميقة متأزمة بين الشرق والغرب، وبكلمة أدق بين أوروبا التي تنصرت، أو النصرانية التي ترومت، وبين الشرق المسلم منذ الحرب الصليبية السابعة التي بدأت عام 1099 م وانتهت عام 1271م بعد سبع حملات ضارية استغرقت 170 عاما تعد الأشرس والأطول والأحفل بالنكبات في تاريخ البشر، ومن العجيب أن من شنها شنها باسم المسيح الوديع عليه السلام الذي يقول لا تقاوموا الشر وليس أن تبدؤوا الشر.
حين ينادي أحدهم بحرق القرآن فهو في الواقع يعبر عن ثلاثة مشاعر: الكراهية العميقة، والتصرف الصبياني الأحمق الأخرق، وأيضا الخوف العميق من خصم ينازله الساحة ويخشى من انتصاره.
لقد نشرت مجلة در شبيجل الألمانية في عدد كامل أن الإسلام هو أكثر الأديان ديناميكية في كسب الأتباع، وحاليا مع كل شؤم أحداث سبتمبر فإنه لا يقل عن 20 ألفا من الأمريكيين السود والبيض يعتنقون الإسلام، والآلاف في أوروبا، والإسلام ينتشر ويكسب الأتباع ويتحرك في الأرض بقوته الذاتية.
وحين يعلن مجنون أنه يريد كشف عورته يلتفت العالم إلى الغرائب والعجائب، ذلك أن طبيعة العصر الذي نعيش فيه أصبحت "ديجتال" فلا يصدح طير في فيلادلفيا ألا ويسمع به طير في غواتيمالا أو بيتاغونيا وجزيرة سخالين، كما جاء في الإنجيل ليس من سر لن يعرف ولا مخفي لن يعلن ويستبان.
وأذكر جيدا من عندنا أيضا أن سلمان رشدي أو صاحب وليمة أعشاب البحر ونصر حامد أبو زيد انتشر خبرهما وذاع وشاع ما كتباه بسبب الحرب الضروس التي شنت عليهما، فخدمهما أعداؤهما من حيث أرادوا إزهاق كتبهما. وهكذا ينطبق القول خالف تعرف وشذ تشع واجهر بالمعصية يلتفت لك الناس ويتعجبوا ويتبرؤوا، والقس الأمريكي وأضرابه وأعوانه ومن سار على شاكلته هم أكثر من رمال الربع الخالي، وكل ثقافة وملة ونحلة فيها هذا النوع من المخابيل المهابيل، وفي تقديري أن أفضل طريقة لمثل هؤلاء وأنجع علاج هو التجاهل، وهي فطنة في الذكي، ولكن الجاهل لا يتجاهل بل يصرخ فيخدم من يسعى للشهرة بأي ثمن.
هل تعرفون الأعجب لو سمعنا أن هذا القس جونز قد أعلن إسلامه بعد أن رشاه راش من الشرق الأوسط بصّرة جيدة من الدولارات، فيعلن إسلامه، ويأخذ الدولارات، وينعش بها كنيسته المتداعية، ثم يكفر في آخر النهار، أو لا ندري قد يبتز من جديد ليمتص حفنة جديدة من الدولارات فأمريكا أم السحّارين والسحرة.
(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا.....)
(ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر...)
(وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون..)