لم تمض أشهر على كشف "الوطن" عن عمليات تهريب الترسانة الكيماوية السورية للحليفين البارزين لنظام دمشق، "حزب الله اللبناني، ونظام نوري المالكي في العراق"، التي أقدم عليها نظام الأسد، وفي جُنح الظلام، للاحتفاظ بأجزاء منها، حتى خرج دبلوماسيون غربيون عن صمتهم، للاعتراف بما سموه "إخفاء نسب كبيرة من ترسانة الأسد الكيماوية".
وفي التفاصيل، كشف دبلوماسيون غربيون، نقلاً عن معلومات مخابراتية غربية، وتحديداً "المخابرات الأميركية، والبريطانية، والفرنسية"، أن دمشق "أخفت" جزءاً من ترسانتها الكيماوية، وحين سئل أحدهم عن حجم ما تم إخفاؤه، أجاب بأنه "كبير"، ولم يُفصح عن تفاصيل أكثر.
وربط الدبلوماسيون تلك المعلومات، بشكوك غربية، مفادها بأن سورية لم تعلن عن كل جوانب برنامجها من الأسلحة الكيماوية، وخشية المبعوثين الأُممين، الذين التزموا الصمت بشأن هذه المسألة، لتفادي منح الأسد ذريعة، لتقليص التعاون مع بعثة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وبالتالي تأخير الجدول الزمني لشحن المواد السامة إلى خارج البلاد.
ومع وجود أكثر من 90% من المخزونات الكيماوية السورية المعلنة خارج البلاد، بدأ المسؤولون الغربيون في الخروج عن صمتهم، حيث قال دبلوماسي غربي في تصريحات صحفية "إننا مقتنعون ولدينا بعض معلومات المخابرات التي تظهر أنهم لم يعلنوا عن كل شيء".
مصادر "الوطن" ذاتها، التي سرّبت أخبار عمليات تهريب للترسانة الكيماوية الأسدية للصحيفة، وعبر أنفاقٍ لحزب الله من خلال قرى حدودية متاخمة للحدود السورية، وعبر ناقلات خضار لنظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد، والتي تم رصدها في ذلك الوقت، عادت للكشف أيضاً، أن من ضمن تلك الترسانة، ما أخفاه النظام في المنطقة الساحلية من سورية، معقل أسرة آل الأسد، في خطوةٍ فسرتها المصادر، بالورقة الأخيرة التي يريد الأسد الاحتفاظ بها على مقربةٍ منه، وداخل حدود آخر الاتجاهات التي من الممكن أن يسلكها الأسد، لتأسيس "كانتونٍ" علوي في تلك المنطقة، فيما لو تم تضييق الخناق عليه.
ومع أن دمشق تنفي احتفاظها بالقدرة على نشر أسلحة كيماوية، ووصفت هذا الادعاء بأنه محاولة أميركية أوروبية لابتزاز حكومة الأسد، إلا أنها - في اعتراف ضمني بوجود نقص في الإعلان الأصلي - قدمت في وقت سابق من الشهر الجاري قائمة أكثر تحديداً لأسلحتها الكيماوية لبعثة نزع السلاح الدولية، بعد أن أبلغ مفتشون عن وجود تناقضات على الأرض.
وتعكس هذه التصريحات قناعات متزايدة بين العواصم الغربية بأن بشار أخفق في التخلص من ترسانته، على الرغم من وعوده بإنهائها، وإصراراً على أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيقاومون دعوات الأسد لإنهاء مهمة دولية خاصة لنزع السلاح الكيماوي شكلت للتعامل مع سورية.
ورفض سفير سورية لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري هذا الاتهام وقال "هذه الدول غير موثوق فيها فعلاً وسياساتها تجاه تنفيذ الاتفاق بين الحكومة السورية. ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لا تقوم على مبادئ وإنما بالأحرى صبيانية. فإذا كانت لديهم بعض الأدلة عليهم أن يتقاسموها مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، بدلاً من التظاهر بأن لديهم أدلة سرية"، في ردةٍ فعل تُحاكي رد الفعل الرسمي القادم من دمشق، والذي اعتبر أن ذلك لا يتجاوز كونه "ابتزازا".
عملياً وعلى الأرض، تؤكد عودة الملف الكيماوي من جديد، عبر قصف قوات النظام أخيراً قرى كفر زيتا، وحرستا، وتلمنس، احتفاظ نظام الأسد، بجزءٍ من ترسانة، لطالما حاول أن يوهم العالم، أنه في طريقه للتخلص منها، وأن النظام لا يزال يحتفظ بجزءٍ منها على الأقل.
وللتذكير، فقد حالت صفقة أميركية روسية، دون توجيه ضربة عسكرية، كانت تنوي واشنطن القيام بها ضد نظام دمشق، بعد تجاوزه ما وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ"الخطوط الحمراء"، بعد هجوم الغوطة الشرقية الشهير بالسلاح الكيماوي، وقضت تلك الصفقة حينها، بتخلي نظام الأسد عن ترسانته الكيماوية بالكامل.