مشحونون بسبب الأحداث، يمشي الشخص كخبر يجلس كتحليل، وإذا رأيت اثنين يتحدثان في الشارع تتخيل تناثر المذيعين والشاشات ومشاهد قصف والسياسيين من شدقيهما، منذ سنوات نتعرض لهجوم مركزي من وكالات الأنباء ومراسلي القنوات، وهؤلاء قوم لا يجلبون معهم سوى الخراب والأشلاء ومسيرات التشييع وهتافات الحشود الغاضبة والاستغاثات الهلعة، يسوقون الحقيقة عارية أمام الضمير لكن السياسة بلا قلب ولا عقل أيضاً، أصبحت سهرات الناس على التحليلات التي لا تنتهي، عرفوا مندوبي الدول الدائمة العضوية واحداً واحداً، صادقوهم بالنظرات، التصقوا بكل خط أحمر حمل خبراً عاجلاً، وما أكثرها! حتى فاض الدم من الشاشات مجتاحاً الأرائك و"الأرضيات"، تحولت الصحف إلى تلال من التوقع وكثبان من القراءات، شخص الساسة والإعلاميون في وجوهنا مثل نُصُبٍ تذكارية تحولنا إلى كائنات سمعية ومخلوقات أذنية، لذا نحتاج مصحاً نفسياً هائلاً وجيشاً من الاختصاصيين، نحتاج استيراد كل البرامج والأبحاث والأفكار التي توصلت إليها البشرية في مجال القراءات السلوكية والنفسية حتى يفك العالم شفرتنا الوراثية، كل ما حولنا يشي بالفجيعة ويعمم الدموع ويفضي إلى الجنون. أصبحنا مثقفين بمدى القذائف ونوعية المضادات، نميز التشكيلات العسكرية من ألوان "الأردِية"، لمحة واحدة تكفي لتحديد منشأ المدرعة العسكرية التي مرت للتو فوق جثة المقاتل، حفلة جنون بشري وكوكتيل من الفجور المبدئي في حفل عرس الأمم المتحدة وقبّعات مفتشيها الزرق التي طارت من هول ما حدث, تتكرر علينا الأحداث بدأب وعناد, تعبأت رؤوسنا بالكلام والمتكلمين وومضات الطلقات ومذنبات الصواريخ الضوئية, احتشدنا باللامعنى وانتصب الخواء في الأرواح, نتألم كي نتألم ونبكي دمعا جافا بدم ملحي, استغرقنا الماضي واستنفذنا مستقبلنا فيما حاضرنا حجري التفاصيل, ندور في كل الحلقات ونستعيد عذابا أبديا كلما ظننا أننا تجاوزناه, من ينقذنا من هذه الكوابيس التي لا تنقطع عن سكان هذه المنطقة البائسة من العالم, التي تحجز نفسها على خشبة مسرح الدنيا "كأبأس" ما تكون في حفلة الضجيج والصواريخ والتصريحات ومشاهد البشاعات التي تنتجها مخيلات الرعب, وحقول الفوضى التي تؤثث أيامنا.