في زيارة إلى مسجد الراجحي بأبها، وبعد صلاة الظهر التقيت برجل لأول مرة من رجالات التعليم السابقين هو المسؤول عن مؤسسة الراجحي بأبها، وكان يعمل في كلية المعلمين في المنطقة الشرقية ثم في أبها، وكنا نتحدث عن اللغة ومن ضمن ما تحدثنا عنه اهتمام الدكتور محمد الرشيد وزير التربية والتعليم سابقا، ومحبته للغة العربية، وبينما نحن نخوض في هموم اللغة العربية ونتحدث عنها إذا بهذا الرجل يقول لقد رأيت الدكتور محمد الرشيد في منامي عدة مرات، وقتها كنت أعمل في المنطقة الشرقية، وكنت أدرس في الفجر على يد أحد العلماء قبل ذهابي لعملي، وكان قد اتصل به من يبشره من بعض من لا يتفق مع الدكتور الرشيد رحمه الله، وقالوا له أبشرك بأن العبيد أصبح وزيرا للتربية، يقول فقصصت الرؤيا على الشيخ، والتي تتلخص في أن هذا الرجل رأى في صلاة الفجر الدكتور محمد الرشيد بلحية سوداء جميلة خلف الإمام، بينما هذا الرجل – الراوي - يصلي معهم عريانا ويحاول أن يتستر ببطانية رثة أثناء الصلاة، وقد انزعج من هذا الحلم، فذهب إلى الشيخ في الصباح وهو ممن يهتم بتفسير الأحلام، ولم يذكر له أن الرجل الذي كان يصلي معه في المسجد في صف واحد بينهما عدد من المصلين هو الدكتور محمد الرشيد.

فقال مفسر الحلم لا يخصك، إنه يخص الرجل صاحب اللحية السوداء الجميلة، هذا الرجل وقع عليه اتهام وظلم كبير من أناس بعضهم لا يعرفونه ولا يعلمون صلاحه وطيبه وإيمانه، ولهذا ظهر بهذا المظهر في وسط الصف خلف الإمام، وليس للرؤى علاقة بك.

هذا الحلم لم يرو عن أحد ولكنني أرويه عن الرجل الذي حصلت له الرؤيا، وذكر أنه ظهر له عدة مرات في منامه. نعم لقد ظُلم الدكتور محمد الرشيد رحمه من أناس هو صاحب الفضل عليهم، وبعضهم من الإمعات الذين يرددون قول غيرهم دون أن يطلعوا على حقيقة الناس.

نحن في هذه الأيام المباركة ندعو الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، ولي مع الدكتور محمد رحمه الله مواقف عديدة، فقد كان أول من سجل لحضور المؤتمر الدولي الثالث للغة العربية وأرسل رسوم التسجيل، ثم اتصل بي بعدها من الكويت يطلب مني إرسال الدعوات لبعض من التقى بهم وحثهم على الحضور والمشاركة في المؤتمر، ولكنه لم يكتب له الحضور فقد توفي قبل المؤتمر، ومن سجايا المرحوم أنه بشخصية واحدة مع الجميع في صدقه ووضوحه وحتى بشاشاته وانفعاله، فبعد حادثة حريق المدرسة في مكة ودمج تعليم البنات مع تعليم البنين في وزارة التربية والتعليم وكنت فرحا لهذا القرار لأن إعداد المواطن الصالح في وطننا، وإعادة إنتاج المجتمع يجب أن يكون وفق معايير موحدة، فكتبت له بعض الاقتراحات، وكنت قد عنونتها "أرجو ألا يلحق الرشيد المرشد" وتحدثت له عن بعض هموم الدمج واستعدادنا للتعاون معه ودعمه وتشجيعه، لأن المهمة كانت كبيرة جدا، فهناك قوى في المجتمع سوف تكون له بالمرصاد عند كل صغيرة وكبيرة، وكان سيكون سعيدا لو أن الدكتور سعيد المليص الدبلوماسي والمتدين والموفق والمتحضر حتى أخمص قدميه بقي نائبا له لأنه سوف يكفيه عناء أولئك المتربصين فهو يستطيع بدهائه أن يردهم مبسوطين لا يقضي لهم حاجة، ولكن من خوفي على وزيرنا الذي اختلفت معه في مكتبه عندما كنت عميدا لكلية التربية بحضور عمداء كليات التربية في المملكة وكان يرغب في إعادة تدريب المعلمين، ويطلب من الجامعات تحمل مسؤولياتها في هذا المجال، ولكنني ذكرته بأن لديه خمسمئة ألف معلم ومعلمة ويحتاجون إلى ميزانيات ضخمة والجامعات لديها التزاماتها وجداولها لا تستطيع تحمل مسؤولية وزارة التربية، عندما أرسلت خطابي بالبريد الممتاز الساعة الخامسة عصرا، وكنت وقتها قد بدأت العمل في مؤسسة الفكر العربي، وفي تمام الثانية عشرة ظهرا من اليوم الثاني إذا بالدكتور محمد الرشيد رحمه الله يتصل ويشكرني على ما ورد في خطابي من اقتراحات، وقال لي نحن نحتاج جهودكم، ولو تناسيناكم في زحمة العمل أرجو الاتصال.

ثم كان رحمه في زيارة إلى أبها مع مجموعة من الوزراء من بينهم وزير الصحة المانع ووزير المواصلات السلوم، وإذا به يتصل بي ويطلب أن ألتقي به. وكان قبل سفره بساعة، والجميع ينتظرون في بهو فندق قصر أبها، فقال وزير الصحة لوزير المواصلات سابقا "ما تزوجت البارحة؟" ولكن الدكتور محمد غير الموضوع مباشرة بشكره لوزير المواصلات على الطرق التي نفذها في المنطقة، ثم طلب مني حضور اجتماع في مجلس التعاون حيث كان يرأس لجنة خبراء لقادة الخليج العربي، وكان الموضوع عن اللغة العربية، وقد نسق لحضوري ومشاركتي، وطلب مني إعداد ورقة عمل، تم إلقائها في الاجتماع، وبعد الاجتماع بلغت بأنها قد اعتمدت لتكون هي لب المشروع المقدم لقادة الخليج. وعندما نتذكر هذا الرجل العظيم الذي ملأ الوطن بحبه وتواصله وغيرته وحماسه حتى تحول إلى رمز وطني يسكن في قلوبنا، فإن هناك الكثير مما يجب أن نذكره عن ذلك الرجل العفيف النظيف الأمين الذي ترك أجمل الأثر في أنفسنا.

هذه رسالة لكل من أخطأ بحق الدكتور محمد الرشيد أن يدعو له وأن يكفر عن ذنبه بالدعاء والاستغفار لرجل خدم وطنه وأمته ولغته – رحمك الله يا دكتور محمد الرشيد وأسكنك فسيح جناته.